قيثارة فلسطين والحرية والعدالة
نشرت في جريدة الرأي 2014/08/22 ، جريدة المجد 2014/08/25:
سميح القاسم: علمتنا الإقدام في زمن الهزيمة علمتنا كيف نعشق الأبجدية العربية و السماء العربية و نفخر بالقامة العربيه، علمتنا كيف نرسم غصن الزيتون و نرفع القبعة لكل أحرار الدنيا، أنت أيها الباقي عشت منتصب القامه و مضيت مرفوع الهامة، نشهد أنك كنت شجاعاً واجهت المرضين معاً العدو و السرطان، نشهد أنك انتصرت في كل المواجهات فصوتك كان هو الأعلى و فكرك كان هو الأقدر ضاقت عليك ضفاف الموت و عدو الشمس لكنك ابداً لم تساوم.
أيها الفقيد الكبير: يعز علينا رحيلك في زمن تتوق إليك، كل ساحاتنا العربية ، تناديك فارساً مغواراً في غزة الصامدة الصابرة المنتصره ، تشد أزرها تحيي الحماسة فيها و تردد خلفك تقدموا تقدموا ، فكل سماء فوقكم جهنم و كل أرض تحتكم جهنم، وتذكرهم بأن لا تعدوا العشره و لا نعد العشرة.
نتذكرك حين ترحل عيوننا عبر خيوط سايكس بيكو العنكبوتية في مساحة الوطن الأكبر
للقدس صلباني و جلق شاهدي و تهلل الفسطاط راح و جاؤوا
ودمي على الأردن ورد ذابل فمتى يبل صدى ورودي الماء
عمـــان قابلتي و مهد طفولتي ســــلط و حـــبل السرة الزرقاء
و لطالما أنشدت في سوريا الحبيبة الجريحة بعدما وصلت إليها في نهاية القرن العشرين
ظمئ أنا يا شام و أنت الكأس و الصهباء
عرفناك أيها المناضل الكبير مدافعاً صلباً عن الأرض و العرض و العروبة و حلم فلسطين ، عرفناك ثاقب النظره نهجك و اضح المعالم ، لا تلتبس عليك الحقيقة مهما ادلهمت العتمة وتدافع المضللون ، لم تفقد الأمل للحظة في أحلك الظروف ، ثقتك بحتمية النصر لم تتزحزح قيد انمله تستمد عنفوانها من ثقتك بعدالة القضية التي طويت سنوات عمرك دفاعا عنها و عن العروبة عن فلسطين عن حق العودة و تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني وعاصمتها القدس الشريف فكم رددت منشداً:
بنى المسيح على صخر كنيسته ودولتي أنا أبنيها على حجر
رحمك الله أيها الصديق الكبير فقد عشت حاديا للثورة في كل بقاع الأرض ، وقد عرفتك كل أحرار العالم مناضلاً و ملهما للنضال ضد الاستعمار بكل أشكاله و مع كل قوى التحرر في العالم في نضالها ضد التفرقة العنصرية و ضد الاستعمار و التبعية و اشكال الاضطهاد و في سبيل تحقيق الحرية و الديمقراطية و تآخي الشعوب و تحقيق العدالة والسلام و احترامِ حقوق الانسان.
لقد دفعت الضريبة في ملاحقتك و اعتقالك و محاربتك من ِقبل العدو الصهيوني و كافحت و عريت مشاريعه و أدواتة و دسائسة و أسهمت بشعرك و نثرك و فكرك في إعادة توجيه البوصلة باتجاه العدو المشترك رغم كل المكائد و ماكنات التضليل.
ثمانون كتاباً ستبقى مكتبة وضاءة و منارة لتصحيح مسار النضال كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
رحمك الله أيها المناضل الباقي و إن رحل
رحمك الله يا قيثارة فلسطين و منارة الأمة
لهفــــي علــى سـوريــــا من ندم وعض أصابع
جريدة المجد 11/03/2013 ها قد شارفنا على نهايات العام الثاني لأحداث سـوريــــا و لا زالت الدماء الطاهرة تهدر بلا ثمن و تسفك بالمجان ، و مازال القتل البارد يجترح في أزقتها و على جنباتها ، وها هي المودة والرحمة توئد جهاراً نهاراً ، أما نحن فلقد ألفنا الحزنَ و اليأسَ وماكنة الأرقام تعمل بحقد ، تطوي الأحبة من كل البقاع بأرقام يعتادها السمع ، هكذا أصبح شبح الموت يلامس أطراف الوطن ورائحة القبور و العفن تلف القرى و المدن و الفضاء والطرقات.
هذه سـوريــــا ، قد فرغ التاريخ من بناء مداميكها الأخيرة ، رسم المجد لها أجمل لوحات الياسمين وقامات الحور و دفق الخابور والعاصي و الفراتَ و بردى ، الله أكبر تصدح بها مئذنة بني أمية وناقوس يدق رجعاً للصدى الآرامي في معلولا ، شموخ قاسيون وعناد قلاعها وأرضها وحدودها ونقاء عرضها ، دونت الكرامة اساطيراً منذ فجر التاريخ أبجديةً وحضارةً ومهداً للإنسانية و خيمة للملهوف و موئلاً للأحرار ومدرسة لكظم الغيظ و حصناً لدفع الظلم، نثر الجمال روعته اخضرارا ،ً زنبقا ً، دحنونا ،ً زقزقهً ، تغريداً ، حفيفاً و خريراً ، قدوداً و ترويدة لمال الشام ، عباءةً صوفيه ينثرها المعري وابن عربي ، بحور الشعر يحمل صدرها الحمداني إلى عجزها في عشق القباني، وحياضاً يذود عنها سيفها المسلول خالد يرفع بيرقاً في ساح الوغى تقتفيه خيولٌ مطهمة من الغوطة والسويداء وحلب وحماه وكل بقاع الحبيبة.
لهفي عليك سـوريــــا ، يا قلب العروبة الذي ما زال رغم كل الأنواء نابضاً ، لهفي على ملاذٍ اسكن واطعم والبس وحضن وأغاث وحمى كل من جارت عليه أوطانه و الآن يلثم جرحه ولم يتنكر لجراح من عزت عليه بقاع الأرض ، حملنا ألمنا الأبدي في فلسطين ، وأعيانا الجرح النازف في العراق، و ها أنت يا حبيبة أنينك يمزقنا ، يدمي القلب فينا، ويقتل أحلامنا، وتحتشد خناجر وأنصال طواغيت الأرض على أوداجك وعلى بريق الحياة في بساتينك وزيتونك وربوتك، قامة الجزيرة وشموخ الريان وبياض المحالج وتلك القلعة الأبية في حلب تتسامى اختيالاً وفيها التاريخ يمكث يرقب الذوق و الشعر و التقنية و صخب الحياة في أسواق حلب العتيقة وحديقة غناء يهلل فيها شيخ الحديقة أبو فراس الحمداني بكل الأنظار القادمة من كل جهات الأرض.
وااكل الشرفاء في سـوريــــا الحبيبة ، واكل من ضحوا ذوداً عن حياضها ، واكل من مضوا مضي الخالدين ، واكل من بقوا بقاء السنديان ، ماذا أخبركم عن سـوريــــا ، عن تلك العروس ، ماذا حل بحلمها وطرحتها و فرحتها ، وانتظارها طويلاً للزفة الدمشقية ورنين الذهب في زنديها ودبكة شيخانيه ، ورقصة ستي و زغرودة ، أخبركم كيف اقتتل الإخوة على لثمها و عناقها ، فعانقها النعيق و الغربان ،الدم و القتل ، الدمار والقنابل و نحيب الشجر و الحجر يستغيث مردداً قول الشاعر: ( لا تقتل قلبي مرتين على الأثر)
الأحبة في سـوريــــا الحبيبة: باسم الله وباسم العروبة وباسم سـوريــــا الحضارة والمجد و التاريخ نناشدكم بالتوقف عن تدمير سـوريــــا وقتل سـوريــــا و أن ترموا السلاح بعد مضي حوالي السنتين وان تنتبهوا بعد كل ذلك بأنها سـوريــــا هي سـوريــــا ، هنا سوريا ، هنا المجد و التاريخ و العشق و العاصمة الأولى، هي الأم الحانية و الحضن الدافئ من وعثاء الرحيل، هي الباقية و كلكم ماضون ، هي سـوريــــا أمكم تناشدكم بعاطفة الأم و معاناة حملها ومخاضها وولادتها وسهرها و تسامحها: كفى قهراً وقهراً وقهراً ، تستحق هي بعد كل ذلك الجحيم والإرتكابات الشيطانية أن تعودوا و تفكروا فيها مرة واحدة قبل أن يأتي زمن لا ينفع فيه ندم ولا عض أصابع.
فلسطين دولة الحلم
29/11/2012
يحق للجماهير العربية أن تحتفي بقرار المجتمع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين كيفما كانت صيغة ذلك الاعتراف ؛ فلقد كانت مسيرة النضال التي عاشها الشعب الفلسطيني ولا زال مسيرة طويلة تخللها العديد من تناوب النجاحات و الإخفاقات ، لكنه الأمل لم تبدده الآلام و المستوطنات وجيش الدفاع و الموساد و الجدار العنصري و ظلام السجون وآلات القتل وكل المؤامرات ، هو محدد المعالم و التضاريس فهو قدر قادم بحتمية الحق وإرادة الخلق ومقدرة وعد ل الخالق
هذه فلسطين وهذه أرضنا وذلك عرضنا و تاريخنا و عشقنا فالقلوب فطرها الاحتلال خلف الأسلاك الشائكة ، الروابي و السهول و القدس الشريف ما زالت واقفة على الأفق ترسل عيونها ابتهالاً تنشد من كان طفلاً يدرج في مرابعها تنتظر عودته مارداً بذاكرته التي تجسدت أملاً بالعودة وتقرير المصير و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني وعاصمتها القدس الشريف
ها هي احدى المفاصل الحتمية للنضال الفلسطيني : الدولة الفلسطينية بلحمها ودمها و حدودها و علمها و ترابها و نشيدها الوطني بدأت ملامح النصر و ملامح الحق تتبدى أكثر وضوحاً وهي قادمة رغم كل الصهاينة فرداً فرداً ورغم كل المكائد واحده اثر أخرى
ما أن صفقت الأمة لدولة فلسطين حتى انتصبت راية المجد راية فلسطين و صدحت الدنيا بالنشيد الوطني الفلسطيني و ارتال الشهداء تزحف نحو دولتها و ها هو هارون هاشم رشيد يبعث الأمل في كل استراحة محارب و في كل كبوة:
سنرجـع يومــاً إلى حيـنـا ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان وتنأى المسافات ما بينـنا
و أبو سلمى عبد الكريم الكرمي ينبئنا:
غـــــداً ســنعــود والأجيال تصــغي إلى وقع الخـطى عــند الإيـاب
نعـــــود مـــع العواصــف داويــات مـع البرق المقدس و الشـهـاب
مع الأمــــل المجنـــح والأغــــانــي مع النســــر المحلق والعقـاب
مع الفجر الضحوك على الصحاري نعود مع الصــباح على العباب
مع الرايـات داميـــة الحـــواشـــــي على وهج الأســــنة والحـراب
ونحــــن الــــثـائريــن بكـــل أرض ســـنصهر باللظى نير الرقـاب
تــذيـب الـــقـلـــب رنـــة كل قــيــد ويجرح في الجوانـــح كل ناب
أجل !.. سـتــعود آلاف الضـحـايــا ضحايــا الظلم تفتح كل بـــاب
وها هو سميح القاسم يؤكد
بنى المسيح على صخر كنيسته ودولتي أنا ابنيها على حجر
وعلى حجر تلو حجر يبني شعب الجبارين كما كان الختيار يجنح إلى التسمية يبنون دولة طيور الفينيق ، الآن أصبح حلمنا الجميل الذي طال انتظاره أكثر إشراقاً و أكثر وضوحاً و أكثر قرباً فمهما طال الزمان وبعد المكان لا بد أن غدنا لناظرنه قريب… وكل غدٍ لناظره قريب.
مجنون حارتنا
نظراً للملاحظات واضيقاق المساحة التي يبقيها الرقيب وللضرورات الفنية كان الأدب يلجأ أحياناً لإدخال شخصية المجنون لشخوص العمل الأدبي ، فيطلع علينا مجنون الحارة أو الحي أو القرية بشكل وعبارات يرددها فتنسجم تماماً مع روح ونص العمل لا بل يصير عنواناً لها يذكر بها في كل حين، أما الآن والحمد لله فلا داعي للإغراق بالمطالبة بتلك الشخصية إلا بمقدار حقيقتها أو لمتطلباتها الفنية وبمقدار الهامش الذي تتأهب دونه ما تبقى من نظرات الرقيب.
في حارتنا مجنون ليس للترميز أو لضرورات أدبية، بل أعانه الله وكفى، أقنعنا نحن مجاوروه ومما حكوه ومعاصروه ومعاقروه أربعة فصول في السنة بأننا نحن العاقلون وهو المجنون، صديقنا هذا يصرخ كما يشاء وبما يشاء ووقت يشاء بلا رقيب و لا حسيب ، ويطلب حين يشاء دون تردد لا مستجدياً ولا حرجاً ما يشاء بفعل جنونه وبفعل نظرة أن له مال معلوم في جيبنا ومالنا وحدقات عيوننا.
ذات مساء إذ كان صوته يتطاير في كل الاتجاهات يعصف بسكون الليل و العتمة ، استوقفني ذاك الأشعث الملتحي كظاهرة صوتية مجلجلة تمتلك الحرية بلا منازع، ذهبت بي نشوة الاكتشاف حتى كدت أحرضه على الحكومة التي رفعت أسعار المحروقات في سلسلة من مراحل موجعة متتالية في شيء من القدر الذي يتدحرج بتسارع من السماء على كاهل و أعناق المواطن ليزيد شقاءه شقاء في موجة غلاء تبشر بالمزيد و أبشره بان الحكومة الجديدة و الحمد لله قد التقت من أجل ذلك بالنقابات والأحزاب وفعاليات متعددة حتى يمرروا معها هذه الموجه الكاسرة من تسو نامي الغلاء، لكنني استدركت بان هذا الأمر لا يعنيه كما لا تعنيه مسألة الرفاه الاجتماعي بمعادلة حر الصيف و قر الشتاء…ينام ليلاً ملتحفاً السماء أو متدثراً مطراً أو برداً تشرينياً، هو الرجل الذي يخافه أطفالنا في انتصاب حدقاتهم لحكايا الجدات ، وهو قابع بخوفه في زوايا الحلكة وسكون الكمون خائفاً مخيفاً تنشده العقول فتلوذ بالضحك على استحياء والتندر بخفيه غائرة وتلاحقه صبية بالحجارة وعبث طفولتهم وبكل تأكيد يرون فيه دمية أثمن من باربي أو ما يساويها.
في الليلة التالية جالست مجنون حارتنا فبدأت أحدثه عن تسونامي وزلزال ريختر وإعصار كاترينا وان الله معنا إذ يدرأ عن أوطاننا كثيراً من الكوارث الطبيعية لألا نحتار بتسميتها فإذا أتانا إعصار وضحه يطلع علينا صاحب النصيب زوجها فيقول لا تبتلوني بإعصاريين مرتين على الأثر.
حدثته عن تاريخ امتنا العربية وحقه الطبيعي في أن يرفع عقيرته منشداً بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان.
عدت فذكرته بمحمود أحمدي نجاد ووقوفه بإيران على حافة الصراع مع أمريكيا ، و بقفزة ممتهن انتقلت إلى أفغانستان وأسامة بن لادن ومعتقل غوانتنامو وأحداث أيلول وبريطانيا وكارثة العراق جرحنا النازف أبدا وكوفي عنان وبلير وبوش وجونزاليسا رايس ، وعرجنا مباشرة معاً على قرار 1559 وفؤاد السنيورة والشهيد الحريري والشهيد الحي، والعد التنازلي لكشف الحقيقة في لبنان .
مباشرة انتقلت بالحديث الرشيق مع صديقي المجنون إلى الشريط الذي ينسل في أسفل الشاشات الفضائية إلى عقر بيوتنا وبين أهلينا بشكل دائم يتطاول لحظياً وأولاً بأول على عادتنا وتاريخنا بحركة وسرعة دائمة تتوثب للقفز من العذرية إلى الصريح على مرأى من الأب وألام والأسرة بكل أطيافها ومقاساتها و رقابتها منتهية المفعول ، وأخيراً رحت به إلى فلسطين الحبيبة كيف أحيا بعيداً عن السهول والهضاب والى القدس عروس عروبتكم ، حاولت الخوض في كفر قاسم ودير ياسين وصبرا وشتيلا وعناقيد الغضب لكنه صرخ ضيقاً وسأماً مبتغياً الرحيل.
أيقنت حينها حق شاعر العروبة سميح القاسم حين قال:
مجنون ليلى واحد بعذابه وأنا عذابي أمة ليلاء
قررت حينها التوقف فوراًً ليس فقط عن الكلام غير المباح ، وإنما عن أي كلام بما في ذلك كلامنا المباح.
المرحوم الشيخ سعود القاضي سيرة لم تنتهي
تبدأ القضية في إحدى الليالي قبل حوالي ربع قرن حين فجعت عشائر بني خالد وفجع معها الأردن بوفاة الشيخ خلف القاضي اثر حادث مؤسف، وكان السائق المسبب في الحادث من بني معروف الذين انتمي إليهم، حينئذ وحسب عاداتنا العشائرية توجهت جاهة مرموقة من وجهاء ورجالات الأردن إلى ديوان عشيرة القاضي في بلدة (حوشا)، وعند وصول الجاهة وجدت الترحيب المعهود ، جلس الضيوف وكما هو معروف تمضي بعض الدقائق من الوجوم الذي يتخلله توجس وريبة حول ما سيكتب لهذا الموقف وما هو الرأي وهل سيكون بداية معاناة شاقة من الحوار وتناقل الآراء و المساومة وهل سيتم النجاح لمهمة هذه الجاهة أم ستبوء بالفشل وكم عدد المرات التي ستجدد فيها العطوة ، وكم من الزمن الذي سيمر حتى يعقد الصلح النهائي ، وما هي المطالب التي سيطلبها آل الفقيد ، وكلما اقترب الوقت من سكب فنجان القهوة العربية كإيعاز لبدء الجلسة يتكثف الصمت و تسكن العيون في محاجرها والجميع يدقق السمع و ترتكز الأذهان على الموكل برئاسة الجاهة والحديث نيابة عن الجاهة للعودة والانتقال إلى من سيرد من آل الفقيد.
حينها بدأ الحديث من رئيس الجاهه فما لبث أن تفوه ببعض الكلمات المقدمة حتى قاطعه الشيخ سعود القاضي نيابة عن كل عشيرة القاضي ، وأبى أن تجري الجلسة على حسب تسلسل جاهه العطوه راجياً أن يعتبر الجميع أن الجاهة هم ضيوف وأن العنوان هو زيارة وحسب وان ليس هناك قضية حتى يكون هناك حاجة للعطوة ، فالفقيد الكبير انتهى عمره بحادث قضاء وقدر والسائق يبحث عن رزقه الحلال من خلال عمله كسائق، وليس هناك ما يثير الشك في قيادة متهورة أو عدم كفاءة في القيادة أو نية في القتل.
لقد كان الكرم كبيراً فيما قرر المرحوم سعود القاضي ليس بالتنازل عن الحق القانوني و العشائري فحسب بل وإطلاق سراح السائق في اللحظات الأولى للحادث دون معرفة هويته ورفض اعتبار حتى أن هناك مجرد قضية ولم تنته الحكاية أيضا فلقد أبدى الشيخ عدم موافقته على كتابة أي نص أو صك بعطوة أو صلح ، واعتبار أن الكتابة تدل على أن هناك قضية والقرار الذي لا رجعة فيه أن ليس هناك أي قضية ، فكان الموقف في أقصى درجات التأثير حيث الكرم بالدم و الجرح غض و المصاب كبير لكنه موقف الكبار حين يكون الإيمان بالله وبقضاءه راسخاً و حين تكون الرجال رجالاً فهكذا انتهت القضية ، لكنها لم تنته الحكاية… .
عند تعيين اللواء مازن القاضي مديراً عاماً للأمن العام تراجعت لدي الذاكرة ومعي العديدين ممن شهدوا أو تنامى إلى مسامعهم سيرة حياة ومواقف السلف الطيب إلى ذاك الموقف الذي لا ينسى ، نعم لقد كان المرحوم الشيخ سعود القاضي رجلاً كبيراً بآرائه ومواقفه و كرمه ولا أدعي أن عجالتي هذه هي أول الحكاية وبكل تأكيد هي ليست آخرها.
ليس من باب المديح بقدر ما يكون من باب ذكر الفضل و إعادته إلى أهل الفضل وفي كلتا الحالتين هو إلقاء الضوء على نهج ومناقبية تتجلى في أكثر من شكل لدى مجتمعنا الأردني الواحد والطيب تعكس ألواناً قزحيةً جميلة تختزل موروثاً عربياً قادماً منذ فجر التاريخ على بقعتنا الجغرافية وموقعها في قلب الشرق العظيم بقديمه وحاضره.
بالعدالة فقط نكافح الفساد
جريدة الرأي 2012/02/09
لا شك أن العديد من قضايا الإصلاح في الأردن ما كانت لتطفو على السطح لولا الهبات الجماهيرية المتصلة والنتاج الجمعي للحراك الشعبي ولعل أولى تلك القضايا وأهمها على الإطلاق هي مسألة الفساد.
إن الفساد مرض الأمراض ووباء الأوبئة وأساس العديد من آفات الأنظمة والمجتمع ففيه فساد ومفسدون وإفساد وبه ينمو الفقر والبطالة والاختلال في التكوين الطبقي والاضطراب في القوانين والأنظمة والتعليمات ، فبالتحالف المصلحي ما بين البرجوازية الطفيلية وربيبتها البرجوازية البيروقراطية ترتسم كل الموبقات وبسقف لا محدود يستبيح كل شيء ويحولها إلى أرقام وصفقات تطال الأذواق والمحرمات وتلغي حتى حدود الوطن، انه الفساد الذي لطالما نخر باطن الأرض وظاهرها وعاثت بالبلاد والعباد خراباً على مر السنوات وبالعديد من التجليات من خصخصة ومديونية لصندوق النقد الدولي ودفائن وهدر للثروات..
أما وقد تعالت الأصوات بعد أن ضاقت الجماهير ذرعاً وبدأ الحديث عن استعدادات لمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين وحتى تكون الشعارات حقيقية تأخذ على عاتقها الفعل أكثر من التنظير يجب الأخذ بعين الاعتبار نقطتين رئيستين نقرع لهما ناقوس الخطر نعلي الصوت ليكون مسموعاً لدى الجماهير الشعبية والسلطات الأربع.
أولى النقطتين : يجب العمل على انجاز مراحل الإصلاح بأسرع وقت ممكن وبالكثير من المصداقية والشفافية والرقابة الدائمة دون التفاف أو انحراف عن الهدف لأنه ما أشبه اليوم بالأمس الذي يرجع إلى بدايات القرن العشرين حين لم يخرج استعمار حتى دخل استعمار بريطاني وآخر فرنسي في هذه المنطقة الساخنة لم يبرح حتى سلم أرضنا ومقدساتنا يداً بيد إلى حكام الدولة العبرية ، أما في ظروفنا الحالية فالمشاريع وبتجليات خطيرة تنتظر لحظة بلحظة للانقضاض على المنطقة ومقدراتها وخيراتها وآمالها ، فالمشاريع المشبوهة جاهزة من تقسيم وشرق أوسط جديد ووطن بديل وسيطرة البترودولار ومقابر النفايات النووية وبالإضافة إلى كل ذلك فان إطالة أمد الحديث عن الفساد والتسويق في المكافحة يسارع في ترهل الثقة وجفافها ما بين السلطة والشعب من جهة ومن جهة أخرى في مشهد الدولة للخارج واهتزاز الثقة بالتعامل معها..
ثانياً: إن الفساد باستيطانه لسنوات طويلة أصبح مكوناً استشرى واخذ مسلكاً سرطانياً ، يكون واهماً من ظن أن مكافحته سهله وممكنة دائماً ، لذلك كما هو مطلوب اليقظة اتجاه الفساد أصبح مطلوباً اليقظة أيضاً اتجاه مكافحة الفساد ، لأن مُكون الفساد بمقوماته من مفسدين ومستفيدين وذهنية الفساد والإفساد أصبح له تقاليد وارتال تدافع عنه ولن تسلم الساحة بسهولة ، وأظن أن الاستهلال بما تم انجازه حتى الآن هو استهلال غير طيب ولا يمكن أن تستقيم الأمور إلا بمزيد من العدالة والمساواة في التعاطي مع مسائل الفساد وذلك بملاحقة كل معني بقضايا الفساد دون خطوط حمراء وعدم تقديم قرابين على أساس فرض الكفاية وتحويل القضايا إلى محاكم مدنية وبأثر رجعي والعمل على محاكمات علنية أمام الرأي العام والشارع والإعلام المقروء والمرئي والمسموع لتحقيق العدالة فكما أن العدل هو أساس الحكم فهو الأساس الحقيقي للحلول الجذرية لمسألة الفساد.
سلطان الأطرش قصة وفاء
الرأي 11/11/2011
من المقرر أن تقوم دار «لونغمان» للنشر في بريطانيا بنشر قصة «إمْـنِـيـْزِل الكركي» ضمن مجلد «من قصص الشعوب» الذي سيُوزع على ملايين القراء في الهند والصين وآسيا وأميركا اللاتينية.
وتجري أحداث القصة كما يرويها الجنرال الفرنسي «أندريا» بكتابه المُعَنْون «ثورة الدروز وتمرد دمشق» عن استشهاد والد سلطان باشا الاطرش عندما أعدمه سامي باشا الفاروقي الحاكم التركي في سوريا، نظرا لمقاومة اهل جبل العرب لممارسات ألإذلال التي فرضتها قوات الجندرمة العثمانية على الدروز والدمشقيين وبعد معركة «الكـَفـَر» عام 1910.
وفي بدايات القرن العشرين، أعلن ايضاً سلطان باشا رفض ممارسات الانتداب الفرنسي ضد السوريين، ونادى بالثورة على قوات الاحتلال لعدة سنوات الى أن أشتبك مع دبابات وطائرات ألانتداب في معركة تل الحديد عام 1922 التي أدت الى لجوئه الى الاردن، بعد أن كبَّدهم خسائر كبيرة.
وبعد عامٍ من لجوئه الى الكرك, نجحت التدخلات السياسية في استصدار قرار بالعفو عنه، والغاء حكم الاعدام عليه.
وقامت عشائر المجالي وابناء عمومتها المعايطة, والطراونة بتوديع «الباشا» وتقديم الولائم والمناسف بكرم يضاهي ما استقبلته به قبل عام.
ولدى مسيرة «الباشا» متجها الى عمان، مرَّ بقرية «الـْمَزَار» حيث استقبله الشيخ محمد إمْـنِـيـْزل القطاونة الذي دعاه للمبيت، وليولم له كما حصل مع العشائر الكركية ألاخرى. فاعتذر الباشا لانه يريد ان يودع الامير عبد الله، وليدرك رحلة القطار الى سوريا.
ولدى أصرار الضيف، قال محمد إمْـنِـيـْزل، لئن أعتذرت عن ضيافتي في بيتي، فلا أقل من قبولك هديتي, وهي عبدٌ لدي، يعينك على تحمل وعثاء السفر.
قبل الباشا الهدية، وشكر الشيخ إمْـنِـيـْزل على كرمه، وغَـذ َّ السير ليلحق بالقطار.
وبعد ليلتين، جاءه من رجاله من يخبره، «بأن العبد الكركي قد يكون جاسوساً عليه، فهو لا يتقن من مهام العبيد شيئا، لا يأكل بشراهة العبيد، ولا يحسن تنظيف منامات الخيل، وغير قادر على النوم فوق الحصى» فأمر الباشا أن يحققوا معه.
وبعد الكرباج الخامس من «الـْفـَلـَقـَة» الثالثة، أعترف العبد، وطلب مقابلة الباشا شخصياً ليخبره بكل شيْء.
وفي تلك المقابلة عرف الباشا ان ذلك العبد ما هو إلا الإبن البكر للشيخ محمد إمْـنِـيـْزل القطاونة الذي أبت عليه رجولته الا أن يضحي بابنه البكر تجسيداً لأخلاق العرب في إكرام الضيف منذ أن ذبح حاتم الطائي فرسه المشهورة ومنذ أن قدّم ابو الانبياءِ ابنَهُ البكر إسماعيل قـُرْباناً.
وفي تلك المقابلة، قال الباشا, لن يكون إمْـنِـيـْزل اكثر كرماً من الدروز، فاصطفى الشاب الكركي وأجلسه الى جانبه، حتى وصلوا الـْـقـِريَّا في سوريا، ومن هناك ارسله إلى لبنان في عهدة عائلة من أصدقائه، حتى اكمل الدراسة الابتدائية والثانوية، ثم الحقه بالجامعة، وتخرَّج منها, وعاد إلى الكرك، يحمل شهادة بكالوريوس حقوق باسم «السيد» بدلا ً من الاسم السابق «إعْـوَضْ».
حوارنا حول أحداث سوريا
26حزيران 2011 وكالة أنباء أجبد اخباري
28حزيران 2011 ميثاق الأحرار العرب الدروز