Posted in نصوص ادبية

خاطرة – ميلاد انسان

صوت الشعب 17 / 8 / 1989

الاثنين 14 / 9 / 1987

خاطرة

يومها كان المخاض ، .يومها قرا  على صفحات الاثير كلاما مرصوصا لم يعلق بذهنه شيء منه , كان جالسا على صخرة جاثمه بعيدا هناك حيث ترتسم حدود السماء .

هناك في الاعلى كان جالسا يرقب بنظره الاشياء حوله هو ينظر الى اللاشيء شارد الذهن يخال كل شيء سرابا يرقب كيف تدخل البيوت والاشجار في جوف الظلام حيث يبتلعها كيف تغيب اصوات الاجراس الاغنام التي اثقلها التعب واعياها جهد ضائع في البحث عن كلأ تقتات به كيف يختلط الظلام بدخان يخرج من مداخن القريه  يغطي سماءها فترتسم اشباحا تتداخل وتتسامق عبوسة حاقده مزمجرة ,يتفتق بركان من السماء يقذف غضبا من جوف اكداس الغيم تعتصر سيولا جازفه انهالت الوديان من كل حدب وصوب تبحث عن مأوى فدخلت كل البيوت المتاكله وانهمرت بغزاره ربما تلك البيوت الطينية تاكلت وترهلت نتيجة ظروف الطبيعة الكاسرة والزمن الجائع والفقر الذي عم القريه فلم يعد هناك امكانية للترميم ربما بسبب اخر هو ان القحط  والجدب دفع الماعز لتجد في الجدران مرعاها,فاخذت تسحب باسنانها ما يمكنها قضمه من التبن الداخل في تكوين الجدران .

هناك من تلك البيوت او اشباه البيوت ,بيت بداخله موقدة لم يبق منها مايشير لها سوى قرص ( الجلة ) الذي مازال يتوهج ,نهض الجميع من حولها, انسلت الانظار منسحبة بشوق الى مزيد من الدفء لكن المياه يرتفع منسوبها في الخارج باتت مؤكدة .

نظرات تتلاقى وتتقاطع . فيها انين وبكاء صامت ارتسم باعمق واعظم لوحة حزن ,العيون تتوهج تعكس اللهب المتقد يخفق القلب متسارعا, نواح حزين ينتشر فوق الاجساد الراجمه , يعلو نشيد جنائزي تراتيل وهاجس ينبىء باحداث جسام .

صراع مضن يضطرب في الاذهان ,تطل من خلف الصمت القاتل علامات ترتسم على الوجوه الساكنة تحدث عن غضب وبؤس وشقاء ورجاء .لازالت المياه تتلاطم اصبحت على وشك اقتحام الفرفه , السقف يرشح تتساقط قطرات الماء يسمع فرقعه تجتذب فجاة الانتباه والنظرات المنسرحة كانه صراع يتجلى يدون عمق التجربة, انها فرقعة ارتشاح الماء على الموقدة .

الموقف يزداد حرجا , لازالت الجراة تلاطم الخوف في صراع يتلمسه الانسان  فقط في سراديب ذاته, صراع قد يطول فيدمي,يدمي الاقدام ويدمي الارادة,فمن ينتظر على امل النجاة دون مبادرة مترقبا فرجا تنفجر صراعات في ذاته ,تتواجه الاضداد فيها. يكون الصراع قاتلا .

طال الانتظار والحال كما هي ,الجميع بانتظار جديد,فجاة الموقدة انطفات والبرد وصل العظم وان تسمع ببرد العظم فهذا شيء , ولكن ان تحاول التجربه وتدخلها فذاك شيء اخر, المعاناة هنا عميقة حتى في وصف ذاك البؤس, تتجمد العضلات , تتلاصق , تتراقص مرتجفه في محاولة لتعويض بعض الدفء كنوع من التكيف في صراع البقاء, فذات العضلات تبحث عن بقاءها بارادة وتصميم على حفظ الحياة والوجود حتى تستهلك كامل قدرتها ,صرير تحدثه المفاصل عندمحاواة الحراك,مخارز جليد تفعل في العظام فعلها ,فجاة موجة حاقدة اقتحمت مداخل الغرفه ,صرخ الاطفال صرخه مجلجلة ايقظت الاحاسيس من غور الصمت المطبق ,تحركت الاجسام التي كادت تستحيل الى كتل جامدة ,في تلك الاثناء اتخذ قرار بصمت اصر الجميع على التعاون حتى الرمق الاخير,شرع البعض بانقاذ الاطفال وبعضهم راح يصنع اقنية في الخارج وحفرا تستوعب المياه لتدفنها وتوقف الطوفان والبعض والاخر ينضح المياه الداخله ويقذفها خارجا.

استمر الحال هكذا حتى انحبست الغيوم وتوقف المطر وانكفا الطوفان وكان الميلاد , ميلاد الاراده ميلاد الانسان .

وفي اليوم التالي وبعد ان هدات الامطار والعواصف وكسرت الرياح وانهزم البرد في اعلى القرية وحول الصخرة ذاتها, شوهدت بقايا انسان …انه الرجل الذي اعتاد ان يجلس على تلك الصخرة المعهودة يرقب قريته من اطرافها.

علمت فيها بعد ان تلك الانسان هلك الف مره,تقاسمته الوحوش الجائعه وحر الصيف وقر الشتاء . ولم يبق منه سوى اجزاء متفتته قذفتها الرياح ذات يوم بعيدا خلفتلك الصخرة خارج حدود القرية.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter