Posted in مقالات زائرة

المحامي توفيق عبيد: في وداع المرجعية الروحية – حليم ابو عز الدين .. عربي اصيل يرحل

المجد 16 تموز – 2001

المحامي توفيق عبيد

منذ خمسين عاما تقريبا تعرفت عن قرب على الراحل الكبير في زيارة له حيث قدم – رحمة الله – مع اقارب له من اجل خطبة عروس لقريب لهم تأخر كثيرا بالزواج وكان حظي كبيرا ان اضطر ( موكب العريس ) للمبيت وكانت حصتي من اقاربنا واصدقائنا آل ابو عز الدين ثلاثة رجال اذكر اني امضيت السهرة بكاملها وانا اصغي لكي استمع الى هذا الرجل الفذ الغزير العلم الكثير المعلومات المؤمن ايمانا لا يتزعزع بالعروبة المقرونة بحب عميق الى مسقط الرأس ( لبنان الجميل ) وكانت جلسة طويلة .. وهو لا يمل من فضول شاب يريد المزيد من المعرفة وكان وكان – رحمة الله – في ذلك اللقاء الذي لا انساه – في الاربعينات من العمر وكان يفور حيوية ويتدفق نشاطاً..

حلق ذقنه في الصباح الباكر وطلب مني الصحف القادمة من دمشق سأل ان كان فيها الاهرام .. وكان هيكل قد بدأ يكتب افتتاحيته المطولة فيها .. قال لي : اني اتابع ثلاثة او اربع من الصحافيين هيكل من مصر ، واحمد عسه من سوريا ، وغسان تويني من لبنان ورولو من فرنسا وغيرهم … جذبني تعليقه على كل واحد منهم وحدثني بفخر عن اولى انطلاقته وسط الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في اوروبا في اوائل القرن الماضي.

وتدور الايام وتمضي السنون ويدفعني ( حب القراءة ) لمتابعة هذا الرجل ليس لانه من العشيرة او لانه قومي عربي فحسب بل لانه يجمع في شخصه مجموعة من الكفاءات والمواهب النادرة والجميلة لقد كان – رحمة الله – نموذجا حيا للاستقامة والصراحة والصدق والوفاء يمارس دوره الوطني بوضوح وجرأة .. وشفافية وتواضع .. عمل في مصر فنال احترام الجميع احب عبد الناصر ووطنيته الصادقه وجرأته في مقارعته للاستعمار لتخليص مصر من قيود الاحتلال الغاشم .. وبادله عبد الناصر مزيدا من الحب والاحترام والتقدير.

فكان في موقعه في مصر اهم من سفير واكثر من رجل دولة واكثر من كاتب فلقد اعطى الدبلوماسية وهجا ورفعة واعطى لرجل الدولة ترفعا ورقة.. واعطى الادب نغمة وعذوبة .

واصدر عدة كتب باللغة الانجليزية عن ( لبنان وسياسة لبنان الخارجية) الى جانب العديد من المقالات والدراسات والمساهمات والندوات .

ورغم كل ذلك النشاط السياسي والادبي والاجتماعي والوطني والانساني والذي كان يمارسه باتقان وتواضع .. الا ان كل ذلك لم يمنعه من ان يسجل في مفكراته يومياته وانطباعاته تلك يوميا ولهذا اقول انه على من يحب مراجعة الايام الخوالي عليه قراءة ما في ( تلك الايام ) وما فيها من مآس وافراح .. لاسيما وانها جاءت بلغة صادقة تشع بحكمة العقل وشمولية المعرفة ، وسعة الاطلاع ونبل المقصد وطيب الغاية.. وتأريخا لمراحل عاشها الفقيد..

لقد ورث – رحمة الله – عن اهله حب العمل الانساني ونصرة الضعيف واغاثة الملهوف .. ورعاية المظلوم وحماية اليتيم .. ومن ينسى المرحومين \سليمان وسعيد ومصطفى ومحمد وامين ابو عز الدين \ وغيرهم الذين تركوا ارثا كبيرا ومبادئ راسخة.

لقد عاش الفقيد اكثر من ثمانين حولا فهو من مواليد \1913\ ولهذا كان يردد قول زهير بن ابي سلمى:

من يعيش ثمانين حولا لا ابا لك يسأم

ولنا الامل ان يتواصل الابناء مع الاباء في حمل هذا الارث الذي لا يوازيه أي ارث اخر وعسى ان يبقى حب الوطن موروثا وان يستمر الخلف على سلوك السلف الصالح.

ولكن الذي هز اركان الفقيد وهو في هذا العمر انه اصيب بفاجعة كبيرة بفقد ولده \ كريم \ الذي اهله ليكون محاميا مدافعا عن ( الحق والحقيقة) وان تكون المحاماة لديه رسالة ( للحق والعروبة ) لا مهنة للتكسب او الارتزاق برحيل كريم احس الفقيد – رحمة الله – بكسر جناحه وان سكينا قد نفذ الى اعماق خاصرته فملأ الحزن قلبه لكنه ظل صابرا كالليث الحصور يبكي في اعماقه رغم ان ابتسامة ( الرضى والتسليم ) ظلت مرتسمة سمحاء على وجهه الكريم.

رحل \ حليم ابو عز الدين \ صابرا على البلوى فرحلت برحيله تلك القامة الحلوة “تلك” الارزه الباسقة من الجبل ” من البلدة الغالية العبيدية ” التي عشقت اسمها واهلها وموقعها لطيب اهلها وطيب معشرها ويكفيها فخرا انها تضم رفاة الراحلين من عز الدنيا الى مجد الاخرة.

رحل الرجل الفذ ومن قبله رحل رجال من اهله سبقوه بالرحيل الى خلود الموت “تاركين في صفحات الدنيا عبقا وعلى صفحات الكتب القا وفي سير الراحلين محطات وفي الزمن الصعب بصمات ومن المحزن انه قدتناقص عدد الكبار الذين يحملون على عاتقهم الهم الوطني والقومي قبل أي هم اخر لان مصلحة الامة في نظر هؤلاء الكبار اهم من مصالحهم الشخصية وفي هذا خطر كبير لان ” الصغار ” وما اكثرهم في هذا الزمان الصعب يتخلون عن شرف الامة وكرامتها تجاه مصالحهم الخاصة بل ربما يبيعون مصلحة الامة ، لمكسب او مغنم .. ومثالي على ذلك ” وزير خارجية موريتانا ” الذي جاء للقاء مع غطريس اسمه “شارون”…

برحيل \ حليم ابو عز الدين \ خسر المنتدى القومي واحدا من مؤسسيه كما خسر المؤتمر القومي العربي واحد من اركانه وخسر لبنان لبنانيا اصيلا احب لبنان الشامخ بين كل الاقطار العربية لكونه بلد الحرية والحضارة والديمقراطية والتعددية السياسية.

وخسرت العروبة فارسا اصيلا احب بصدق تلك العروبة وقواعدها الثابته الرواسي لان العروبة عنده ممارسة يومية وسلوكاً .. وفكراً.. وعقيدة .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات زائرة

جورج حداد: على الدرب – الشيشكلي والدروز

مع القراء في رسائلهم

الدستور 18 آذار – 1998

جورج حداد

ثلاث رسائل تحريرية وأربعة هاتفية وصلتني ، تعقيباً على مقالي ( الشيشكلي والدروز واصحاب البيوت الزجاجية ) المنشور في تاريخ 15 / 3 / 98 .

وربما يمكن تلخيص ما ورد عي هذه الرسائل ، بفقرات من الرسالة التي ارسلها الدكتور تيسير أبو عاصي باسم اللجنة الاعلامية لتجمع ابناء بني معروف وجاء فيها … :

… ” ان ( تجمع ابناء بني معروف ) الذي يشاطركم الرأي في انه لا يمكن ان يكون مطلوباً اثبات كذب وسقوط الشائعات والمزاودات على وطنية وعروبة من كان وطنياً وقومياً بشهادة التاريخ الذي سطرته نضالات الامة العربية على مر العصور ، ليدعو الى مزيد من الحرص على الوحدة الوطنية ورص الصف ، والى تعرية المشككين ومواقفهم التي تريد النيل من الوطن والامة والتي يحلو لها العبث بماضي الامة ومستقبلها والذين هم اشد خطراً على الوجود العربي من اسرائيل واعوانها .

ان تجمعنا الذي كان قد نشر تعقيباً على اعلان صحيفة الرأي وعلى برنامج الاربت التلفزيوني بقلم الاستاذ : تيسير أبو حمدان في صحيفة الرأي بتاريخ 8 / 3 / 1998 ص 40 يؤكد على التزامه بالموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار بمزيد من الحرص والمسؤولية باننا امة عربية واحدة وليس اخطر من فعل المتربصين سوى الدفع الى تصعيد المناكفات التي تخدم اهدافهم في تأجيج الصراعات الداخلية وتفتيت الجسم العربي الواحد .

نشد على ايديكم وحسب هذا الوطن اقلاما حرة ما فتئت تسيجه بمقومات منعته وبواعث عزته .

وتفضلوا بقبول الاحترام

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات زائرة

جورج حداد: على الدرب – الشيشكلي والدروز اصحاب البيوت الزجاجية

الدستور 15 آذار 1998

في متاهات الشكوك والفوضى والخوف والفراغ والعمالة والتنافس الفردي ، تصبح المتاجرة بالاخلاص امرا عادياً ، كما يغدو سلاح الاتهام وزرع الشائعات  والاضاليل ، مظاهر مألوفة في بازار ( البرنس ) !! .

ويتضاعف الاثم ، عندما تقوم وسائل اعلام وفضائيات ، مجندة لغايات مشبوهة محددة ، بفسح المجال للهدامين الذين عجزوا عن البناء ، فبادروا الى احتراف الهدم والتفسيخ ، لانه الاسهل و .. الاسرع الى بلوغ المآرب والخصوصيات !! .

قبل ثلاثة اسابيع ، ينشر خبر اعلاني في الصحف العربية ، ومنها صحفنا الاردنية ، يبشرنا ( !! ) فيه ، ان الكاتب ناصر الدين النشاشيبي سيتحدث في مقابلة تلفزيونية عن كيف ( .. ان اسرائيل شرعت عن عام 1953 بتجنيد الدروز تمهيدا لمخططها الهادف الى احتلال الجولان ) ، وكيف ان اديب الشيشكلي اكتشف ذلك ، وقرر ضربهم !! .

وبالرغم من موجة الغضب التي اجتاحتني ، لدى قرائتي الخبر – الاعلان ، الا انني اثرت ان لا اشير الى الموضوع او مناقشته ، نظرا لما يمكن ان يثيره من حساسيات طائفية ، اثمة ، نحن في غنى عن الاخذ والعطاء فيها ، بالرغم من فقدانها الصارخ لصفات الصدق والنزاهة !!.

وصحيح ان الرد المنشور في الرصينة ( الرأي ) امس ، قد اوضح الكثير ، بالقائه ( بعض ) الاضواء ، على ( بعض ) المواقف التي وقفها مواطنون الدروز ، في وجه الاستعماريين والصهاينة ، الا ان الرد نفسه الذي كتبه الاخ برجس اسعد الشوفي ، جاء مفعماً بروح الشاعر جرير في نقائضه مع الفرزدق والاخطل :

فغض الطرف انك من نمير

فلا كعباً بلغت ولا كلابا !

واذا جاز مثل هذا الطرح ، وكان معقولا .. مقبولا ، في ما يعرف ( بايام الجاهلية ) ، حيث المعيار القبلي ، هو السائد آنذاك ، فانه .. في معايير الوطنية النقية ، والقومية الصحيحة ، غير جائز ، وغير معقول او .. مقبول !!. والسبب .. ليس سراً فنمير وكعب وكلاب ، هم ابناء وطن واحد ، ومواطنو امة واحدة ، اذا لحقت باحدهم مصيبة او .. نقيصة ، انعكست ، عضويا وتلقائيا على الجميع ، بمكن فيهم بنو انف الناقة ، اللذين وصفهم الشاهر بقوله :

قوم هم الانف والاذناب غيرهم

ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا!!

فنحن .. جميعا ، في المعايير القودمية التقدمية ، اما .. ان نكون انوفاً ، واما .. اذناباً !!.

نعود الى ترهات النشاشيبي وتعميماته المتهافتة ، التي لا ارى سببا واحدا ، يدفع العاقل الى اثبات سقوطها وكذبها ، في اتهامه لمواطنينا الدروز ، في شتى انحاء الوطن !.

وليس يصح في الاذهان شيء

اذا احتاج النهار الى دليل !

وماذا عسانا نقول ، اذا كانت ( ترويدتنا ) المفضلة حتى اليوم : سلطان باشا القريا … يا شمعة الديوان ؟!!

ان مواقف مواطنينا ( بني معروف ) وبطولاتهم الفذة ، سواء في حوران او الجولان او لبنان او في فلسطين المحتلة ، هي من النصاعة والصدق والعنفوان القومي ، بحيث .. لا تنال منها سفاسف ، او .. تحيط بها كلمات !!.

اما المرحوم اديب الشيشكلي الذي انجر ، بغباء ، الى عملية جبل حوران ، نتيجة الدس والتحريض الذي مورس عليه ، من بطانة السوء التي احاطت به ، فقد كانت من اشد المآخذ التي سجلت عليه ، وعلى عهده !!.

فسلطان الاطرش ، لم يعد مجرد زعيم درزي ، لكي يحاول الشيشكلي او غير الشيشكلي ، اذلاله والنيل منه ، وانما .. رمز كبير من رموز الامة ، في كفاحها وجهادها ، ضد المستعمر والمغتصب !!.

وثمة … في النهاية ، ما يجب ان يذكره ويتذكره ، اصحاب البيوت الزجاجية !!.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات زائرة

المحامي توفيق عبيد: قصة واقعية – من يوميات طفل في العاشرة من عمره

المجد

يرويها المحامي توفيق عبيد – السويداء

أُعلن عن قدوم الجنرال ( اوليفا روجيه ) للمدينة جمع المدير تلاميذ المدسة الابتدائية وابلغنا ان ناتي في اليوم التالي بأجمل ما لدينا من ثياب ، وان نقص شعرنا …

قص لي والدي شعري ، لانه كان يريد ان يدخر اجرة الحلاقة ، فكان ” موديل ” قص الشعر على الطريقة الانكليز في قص الشعر ، لانه لم يكن يملك من وسائل قص الشعر الا المقص العادي الذي تستعمله امي وموس الحلاقة الذي يستعمله هو .

لم تعجب تلك الصة المعلم / ميشيل / منهرني قائلاً : من هو الحلاق الذي قص لك شعرك بهذا الشكل الغريب ؟قلت له : والدي .. وكان يعرفه ويعرف قسوته ، ولهذا لم يعلق وسكت على مضض ….

اعطانا قطعة من الاناشيد الفرنسية ، واعلن ان من يحفظها بسرعة ينال جائزة ، فما كان مني الا ان حفظت القطعة عن ظهر قلب ، وما ان اسمعته اياها حتى قال : ستقف انت في المقدمة وتحمل العلم الفرنسي ، وعند وصول الجنرال ستصرخ بهتاف عال / تحيا فرنسا / Vivela France / وتابع طالباً مني ان ارفع العلم الفرنسي مردداً النشيد – الذي حفظته – عند لحظة وصول الجنرال الى جسر قنوات حيث كنا مصطفين بارتال طويلة من التلاميذ تمتد الى / نزلة الاعرج / حيث يقف الطلاب الكبار .

انصرفنا من المدرسة ، عدت الى البيت واخبرت والدي الشيخ بما طلبه مني الاستاذ / ميشيل / غضب وقال لي احفظ مايلي / Vivela Syrie / قلت حاضر .

غادر المنزل ثم عاد يحمل معه علماً سورياً ، فتحه وقبله ووضع له عصا صغيرة تتناسب مع صغر العلم وصغري ، وقال غداً بدلاً من ان ترفع العلم الفرنسي خبئ العلم السوري تحت المريول الاسود ، وعند وصول الجنرال ارفعه عالياً ، واهتف باعلى صوتك / Vivela Syrie / وشرح لي بأن علم بلادي هو الذي يجب ان يرفع ، واوضح بكلمات بسيطة اهمية هذا العمل من قبل الصغار امثالي ، قلت حاضر ، ثم نمت وانا اردد كلمات والدي .

وقفت مع الصفوف الطويلة الممتدة حاملاً العلم الفرنسي  ولم احدث اياً من زملائي بما طلبه مني والدي … ولكنني تعمدت الوقوف فوق قالب من الاسمنت بارتفاع نصف متر … وعندما اقبل موكب الجنرال الفرنسي فتحت ازرار المريول الاسود الجانبية واخرجت العلم السوري ، ولحظة وصوله رفعت وصرخت / Vivela Syrie / Vivela Syrie / … توقف موكب الحاكم ، ونظر الي بسرعة وسأل عن اسمي وقال بالفرنسية / pon – جيد / وساد سكون مطبق .

ولكن اكثر الجميع غضباً وحنقاً كان المعلم / ميشيل / الذي كان يؤدي التحية للحاكم بابتسامته العريضة ، متوقعاً ان اردد الكلمات التي علمني اياها ، وعندما انتبه لما فعلته دار نحوي وضربني بقسوة كفه الايمن ، حيث ترك خاتمه الكبير الحجم علامة على خدي ، وقعت فوق قالب الاسمنت وسقطت أرضاً ، ضحك بعض الاطفال عند سقوطي أرضاً ، وغضب البعض الاخر ولكن ظل العلم مرفوعاً في يدي ، وتحجرت الدموع في عيني ولم ابك وظلت مخيلة والدي الشيخ امامي حتى لا اخيب ظنه بي ، ولكن كنت بين الحين والاخر اتحسس خدي ان كانت هناك بقية آثر للدماء .

مضى موكب الحاكم وبدأ المعلم / ميشيل /  يقول لي بحنق : بدك تخرب بيتي يا عكروت .. ولم افهم في ذلك الوقت كيف سأخرب بيته ؟؟ ..

عند وصولي الى المنزل طبع والدي قبلة على خدي المزين باللون الاحمر اثر الصفعة وقد ترامى اليه ما فعلت ، في حين ان والدتي راحت تبكي وهي تغسل وجهي ..

لم يدللني والدي اكثر من ذلك ، لانه كان يعتبر ذلك الامر عادياً وليس استثنائياً ، في حين ان عتاباُ جرى بين امي – وانا وحيدها – وابي لانها كانت تخشى علي كثيراً لا سيما وان والدها واهلها قد ماتوا شهداء تحت ظلال ” بيرق ” المدينة المجاهدة .. كان ذلك الدرس اول ابجدية الكفاح التي تلقنتها من والدي الشيخ …

بعد عدة ايام طلبت من ابن اخي / حسن / وهو يقربني سناً ان نقوم بعملية ضد الفرنسيين .. سأل عن المطلوب فقلت له سوف نقوم بتكسير زجاج النوافذ في بناء / الاوتوماجور / الفرنسي ، حيث لا يوجد بعد الظهيرة اية عناصر للحراسة .. وفعلاً قمنا بتكسير كامل زجاج النوافذ التي وصلنا اليها ، وتصور الفرنسيون ان كباراً لا اطفالاً قد قاموا بالعملية ، حيث اعتقل بعض الافراد الوطنيين الذين لا علم لهم عن هذا التخريب .

ثم تفتق ذهني عن عمل تخريبي آخر ، لقد توصلت الى معرفة ان هنالك صندوقاً للبريد مخصصاً للبريد العسكري موجوداً أمام نادي الضباط الفرنسيين .. فوقفت قرب ذلك الصندوق ، رفعت يدي فوجدت اني لا استطيع ان اصل الى فتحه الصندوق ، جلبت حجراً دفعته الى تحت الصندوق ثم ذهبت .

في اليوم التالي جلبت قطعة من منشفة سميكة وبللتها بالماء ، ثم جئت الى الصندوق ، وقفت فوق الحجر وحين لم اشاهد أحداً يراقبني ، عصرت المنشفة في فتحة الصندوق وتبلل البريد العسكري .

كم كان فرحي كبيراً وانا اشاهد في اليوم التالي مجموعة من الفرنسيين وهي تدرس وتبحث عن كيفية وصول الماء الى قلب ذلك الصندوق ، وفاتهم ( شيطنة ) ذلك الطفل الصغير الذي تعلم درساً في الكفاح الوطني ضد الاحتلال الاجنبي.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات زائرة

السيد تيسير أبو حمدان: سلطان باشا الاطرش وثورة عام 1922

تيسير أبو حمدان

نشرت صحيفة الراي الزاهرة في عددها الصادر بتاريخ 15 ايار 98 مقالا للسيد شفيق عبيدات حول كتاب ( الدور الاردني في النضال العربي السوري ) للاستاذ محمود سعيد عبيدات ، استعرض فيه مساهمة الاردنيين في النضال العربي في منطقة بلاد الشام ابتداء من عام 1908 وحتى عام 1946 والتضحيات التي قدمها الشعب الاردني في سبيل عزة الوطن وتحريره من نير الاستعباد وظلم المحتل .

لقد وجدت ان ماعرضه السيد عبيدات عن ثورة سلطان باشا الاطرش ضد الفرنسيين عام 1922 يحتاج الى بعض التوضيح ، خدمة للحقيقة وانصافا للتاريخ حسب المقولة الثابتة : ان التاريخ تاريخان – تاريخ ما حدث فعلاً ، وتاريخ ما يروى ، ونحن لا نروي التاريخ ساعة وقوعه وانما نرويه بعد وقوعه !

لقد جاء في وصف ثورة عام 1922 ضد الفرنسييين انها كانت بسبب السياسة الفرنسية التي عملت على تقسيم الدروز الى فئتين  غير متكافئتين من حيث القوة والتأثير .

ومع ان السياسة الفرنسية في سوريا ولبنان بشكل عام وجبل العرب ( الدروز ) بشكل خاص ، تميزت بالبطش والاساءة الى الاهالي ، وبالاخص الوطنيين منهم الذين دفعهم انتماؤهم القومي الى المشاركة في الثورة العربية الكبرى ضد الاتراك ، وانطلق بهم اعتزازهم الوطني الى مقاومة الفرنسيين بعد معركة ميسلون ، الا ان السبب الرئيسي لثورة سلطان الاطرش الاولى كان بسبب انتهاك الفرنسيين للعادات والتقاليد الموروثة التي يفتخر بها العرب الدروز وبشكل خاص حماية الضيف واغاثة الضعيف ونجدة المستجير .

ادهم خنجر الصعبي ، رجل وطني من جنوبي لبنان ، تمرد على السلطات الفرنسية بعد ان تم اخماد ثورة قومه في جبل عامل لبنان عام 1920 ، وقد شارك في محاول اغتيال الجنرال غورو في 23 حزيران 1921 في منطقة القنيطرة السورية ، وقد قتل في هذه المحاولة احد الضباط الفرنسيين المرافقين للجنرال وكاد ان يقتل فيها غورو نفسه ، اذ اخترقت ملابسه عدة رصاصات ، ولان السلطات الفرنسية اصدرت بحقه حكم الاعدام ، لجأ الى الاردن ، ومنها توجه الى جبل العرب في 17 تموز 1922 للاحتماء بدار سلطان الاطرش .

ولان السلطات كانت تراقب تحركات ادهم ، وجد قوة فرنسية بانتظاره وقبل ان يصل دار سلطان في بلدة القريا ، فاعتقلته وساقته الى السويداء تمهيداً لنقله الى دمشق وكان سلطان حينذاك بعيدا عن بيته اذ كان في زيارة لبلدة ام الرمان .

اجارة المستجير عند بني معروف نوعان : اجارة الوجه وهو اللجوء الى دار المضيف مباشرة ، واجارة التشهيد وهي ان يعلن المستجير امام الناس انه متوجه الى دار فلان واستجارة ادهم كانت من النوع الثاني اذ كان يصيح وهو في طريقه الى الدار : ( انا بوجه السلطان ) ولهذا كان من الواجب والالتزام دفاع سلطان عن ضيفه ، والا لحق به العار وتناولته الالسن بالسوء .

لجأ سلطان الى كل الاساليب السلمية لانقاذ ضيفه وكتب الرسائل وارسل الوفود الى المستشار الفرنسي في السويداء والمندوب السامي لسوريا ولبنان في بيروت والى ابن عمه الامير سليم الاطرش حاكم الجبل ، ولما لم تثمر كل هذه الاتصالات والمحاولات قام سلطان ورفاقه بمحاصرة السويداء حتى لا يتمكن الفرنسيون من نقل ادهم خنجر الى دمشق ، وحصل صدام مسلح بين المجاهدين وبين القوات الفرنسية التي تعززت بقوة كبيرة من درعا فكانت معركة ( تل الحديد ) التي حقق فيها المجاهدون النصر المؤزر وقتل فيها ضباط وجنود فرنسيون وتم اسر عدد اخر منهم مما دفع بالسلطة ارسال ادهم الى دمشق بالطائرة ، وقد وصف هذه المعركة العديد من الكتاب والشعراء ، ومن قصيدة الشاعر القروي هذه الابيات :

خففت لنجدة العاني سريعا

غضوبا لو رآك الليث ريعا

وحولك من بني معروف جمع

بهم وبدونهم تفني الجموعا

الم يلبس عداك التنك درعا

فسلهم هل وقى لهم ضلوعا

وثبت الى سنام التنك وثبا

عجيبا علم النسر الوقوعا

فخر الجند فوق التنك صرعى

وخر التنك تحتهم صريعا

فيالها غارة لو لم تذعها

اعادينا لكذبنا المذيعا

اصدرت فرنسا حكماً بالاعدام على سلطان في 16 / 10 / 1922 ووزعت على قرى الجبل بياناً ملأته بالتهديد والوعيد ، واتهمت سلطان ورفاقه باللصوص وقطاع الطرق وجاء في اخر البيان : ( يا سكان الجبل ، انتم الذين لا تريدون خراب بلادكم ، ولا رمي نفوسكم الى عقاب ، احذروا ان تربطوا مقدرات قضيتكم بقضية سلطان الخاسرة ) . كما قامت الطائرات بتدمير منزله في بلدته القريا واخذت هذه الطائرات تطارده ورفاقه من مكان الى اخر .

ولان الاردن ومنذ تأسيس الامارة كان قبلة احرار العرب . وملجأ الرجال الوطنيين الذين يرون عزة الوطن  في استقلاله فقد لجأ سلطان واهله ورفاقه الى الاردن المضياف ، ونزلوا في ديار عشيرة بني حسن حيث لاقوا كل تكريم وترحيب ، وضربوا خيامهم في خربة رحاب ، وقد شارك بالترحيب بالمجاهدين جميع عشائر الاردن وفي مقدمتهم عشيرة بني صخر في كل مواقعها .

ومن الاردن ، وبعد ان وفد اليه عدد كبير من ابناء الجبل ، وبمشاركة العرب الدروز المقيمين بالاردن حينذاك اخذ سلطان ورفاقه بالاغارة على المراكز الفرنسية في كل من جبل العرب ودرعا وكانت تقع مصادمات عديدة تلحق الخسائر الجسيمة بالفرنسيين سواء في الافراد او المؤن او العتاد ومن هذه المصادمات اسقاط طائرة فرنسية مهاجمة وبالبنادق العادية .

بقي سلطان ورفاقه في الاردن معززين مكرمين حتى صدر العفو عنهم بتاريخ 4 نيسان 1923 فعاد الى الجبل وهو يحمل في نفسه اعمق تقدير واصدق عرفان للاردن قيادة وشعباً .

اما القول بان اكثرية الدروز في جبل العرب كانت الى جانب الفرنسيين فقول فيه مغالطة ، لان السلطة الفرنسية وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذلته ، ومن الاغراءات الكثيرة التي استعملتها بمنح الالقاب والمكاسب الشخصية فانها لم تتمكن من استمالة سوى عدد محدود من الرموز والزعماء الى جانبها ، كما تمكنت من الضغط على عدد اخر بالوعيد والتهديد وهؤلاء كانوا القلة ودليل فشل السياسة الفرنسية في جبل العرب وضعف تاثيرها وقلة عدد مناصرتهم هو التاييد الواسع والاستجابة الكاملة لثورة سلطان الاطرش الثانية 1925 الثورة العربية السورية التي كانت الخطوة الاساسية للاستقلال وانهاء الانتداب الفرنسي عام 1945 .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in العرب الدروز

أضـــــــــواء – التعايش المستحيل … والواقع اكبر الادلة ؟؟

نشرت صحيفة المجد العتيدة في زاوية ( اضواء ) مقالاً للسيـد / عرفات حجازي بعنوان ( التعايش المستحيل والدروز اكبر الادلة ) يتحدث فيها عن الندوة التي بثها التلفزيون للاسرائيلي قبل فترة حول قضية الدروز والشركس في اسرائيل .

بادئ ذي بدء نقول ان ما تعرضت له الشعوب العربية من اجواء احباط وان كانت مغرقة في سلبيتها وانفعالها ومن ثم فعلها على الساحة ، الا ان وجها اخر للمسألة ان صح التعبير يترافق مع وعي قسري فرضته اجواء الاحباط ذاتها ولا معقولية الانهيارات بدا بالمنظومة الاشتراكية وانتهاء بازمة الخليج تلك الحرب المجنونة التي سيقت اليها الازمة العربية ومشاعرها – ليتسنى لاعداء الامة فرض الحلول كما شاءوا وبما شاؤوا من الشروط ولقولبة المشاعر العربية وذهنيتها بما يتناسب مع ارادة هي خارجة عن ارادة الامة.

انطلاقا من هذه الارضية نقول اننا معنيون جميعا بالتعامل مع هذه المعطيات وعدم تجاهلها والذي لا نستطيع انكارة هو ان اسرائيل بدولتها العبرية وبحكم التاريخ والجغرافيا هي عدوة الامة ، وان من يدعو الى السير في مسألة التطبيع يجب ان ينتقل فورا للحديث عما هو اهم من التطبيع واولى بحكم ان التطبيع يجب ان يترافق خطوة بخطوة مع جدية الجانب الاسرائيلي على طاولة المفاوضات ، والمقصود هو الحديث عن اعداة قراءة وفهما متأنياً ومتبادلاً لما بيننا وبين العرب الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون في الاراضي المحتلة صامدين بكفاحهم اليومي للبقاء على ارضهم والعمل على تصحيح فهمنا السابق بان ذلك بيع للقضية!!

من هنا نقول انه اذا كان للمرحلة السابقة فهمها ومفرداتها وادواتها فيجب ان تكون للمرحلة الحالية ايضا فهمها ومفرداتها وادوانها التي يجب تناولها بشئ من الدقة ، لان العدو قد سبقنا في استبدال اسلحته باسلحة اشد فتكا، فلم يعد عدوا تقليديا يجثم متربصا على الحدود خلف المتاريس فحسب ، بل اصبح الى جانب ذلك في كل المواقع بين ظهرانينا وعلى جنباتنا متربصا يستثمر كل شئ كما هو دائما في سبيل شق الصف العربي وتحقيق انتصاراته في الحفاظ على دولته في ظل غياب استثمار الجانب العربي لمثل ما يبقى على الوحدة الوطنية ويصونها.

ففي حين ( وكما هو ليس خافياً على احد ) ان قوائم الخيانة لم تنته على مر تاريخ نضالات الشعوب الا انه وجب على الاقلام الوطنية ومن خلال الصحافة وخاصة الملتزمة منها وصاحبة الكلمة والموقف كصحيفتنا ( صحيفة المجد ) ان تتأثر وتؤثر في التعامل مع الحدث بما لا يتعارض مع منطلقات الامة ومبادئها وتكشف حقيقة زيف محاولات الدولة العبرية ومشروعها الصهيوني في سبيل تفتيت واضعاف وحدة الصف العربي من خلال السيناريوهات المكرسة لاظهار تمييز لعرب السبع والدروز والكاثوليك والشركس عن غيرهم في بعض الحقوق وتوجيه حفنة من عملائها لتكريس غرضها في تجزئة وتفتيت وحدة الصف العربي واشاعة الفتنة فيه.

لقد كنا نتمنى على الاستاذ عرفات ان يتطرق بمقالته الى لجنة المبادرة الدرزية على سبيل المثال التي لخصت بصدق واطرت نضالات دروز الارض المحتلة المشرفة ، وقدمت التضحيات تلو التضحيات في سبيل رفض محاولات السلخ التي يتعرض لها الدروز عن امتهم العربية الواحدة وفي سبيل رفض التجنيد الالزامي وكشف المحاولات البائسة التي يتعرضون لها والنضال من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، فلعل ذروة النضال بل نضال مضاعف ما يقوم به مثل ذلك التنظيم في تلك الظروف ، وان لنا في التضحيات الجسام التي قدمها الدروز في تاريخهم القديم والحديث في سبيل عروبتهم وارض الامة وعرضها خير دليل على انهم وعلى مر التاريخ غير مطالبين بالدفاع عن اصالتهم فان تلك التضحيات ما زالت توشح ارض الوطن وسمائه.

واما مسألة التعايش المستحيل الذي ذهب الاستاذ عرفات للحديث عنه وتحمل عناء البرهنة عليه ، فهو لا يحتاج الى كل ذلك وما هي الا قناعة نشاركه بها دون اللجوء الى اقحام براهين قد يتخللها غمز او لمز.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات وطنية

وجهة نظر – مسؤولية

ان الاردن وقد ولج في عمق التجربة الديمقراطية منذ عام 1989 قد استطاع ان يوفر هامشاً قد تختلف الآراء حول مساحته من الحرية والديمقراطية ، وان تجذير التجربة ( أي تجربة ) هو نتاج لتفاعل دائم ويومي بين طرفي المعادلة ( وهنا يمثل طرفي المعادلة : السلطة والشعب ) .

من باب الطرح الموضوعي الفاعل نشير الى الدور الشعبي في خلق الروافع الحقيقية للارتقاء بالتجربة وارساء التقاليد الديمقراطية التي تنطلق من قاعدة المسؤولية الوطنية والحرص على مستقبل الوطن والامة من خلال تفعيل مؤسسات المجتمع الحديث لتحتل مكانة اكثر تقدماً واوسع تمثيلاً وصولا الى شعار مؤسسات الشعب ودولة المؤسسات .

ولعلها توطئة للأخذ بأسباب انجاح التجربة ان نتحفز دائماً وفي كل حين لخلق المبادرة والامساك بناصيتها من موقع الاداة والهدف ، وان الشعب بلا منازع هو الفاعل الرئيسي في الاصرار على تكريس التجربة فهو الاداة ومصلحته هي الهدف .

ان التفاعل مع اداء المؤسسات الشعبية وعدم الاحجام عنها بدافع من السوداوية والاحباط وتفشي الانماطالاستهلاكية هو ما يتيح فرصة اكبر لتخليق المبادرات وتفجير الطاقات الخلاقة لصياغة الافكار التي تعكس النبض العام وتضخها في وعاء المؤسسات التي تنظم التي تنظم تفعيلها وتصقلها وترفع من جاهزية الافراد في ممارسة العقلية الجماعية ، وايضاً فان التفاعل الايجابي لا شك انه يتيح المجال رحباً للرقابة الحقيقية المطلوبة على الهيئات المنتخبة من قبل تمثل وتحسين الاداء من خلال النقد الموضوعي المسؤول ، كل ذلك يشكل ضمانة لدفع مسيرة العمل العام وتفعيل دور المؤسسات الديمقراطية .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter