Posted in مقالات وطنية

جميلة بو حيرد … إن استغاثت

الرأي 28\12\2009

تناقلت وكالات الأنباء خبر الندائين الصادرين عن المناضلة جميلة بو حيرد للرئيس الجزائري وللشعب تطلب المساعدة في دفع تكاليف العلاج لها بالخارج.

لعل هذا الخبر يثير فينا أحاسيس عدة ودفينة أن هذه المناضلة بلغ منها نكران الذات درجة رفض كافة المناصب التي عرضت عليها والتي قدمت نفسها شهيدة حية قربانا على مذبح الوطن فداء  للوطن وهي في ريعان شبابها ليحيا الوطن ولتحيا الجزائر.

كنا في الصفوف الأولى من المدرسة وكان الشعور الوطني والقومي يرسل بذوره في وجدان الطفولة فينا ، فنشرع منشدين في اصطفاف الصباح قسما بالنازلات الماحقات. والدماء الزاكيات الطاهرات.

والبنود الخافقات اللامعت في الجبل الشامخات الشاهقات

الى اخر النشيد الذي يؤكد في كل حين أننا قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا …

كم هذا النشيد كان يرسم في ذاكرتنا أشكال ملامح الحق ومزاياه ويخلق في نفوسنا رتم التحدي وشارات النصر وتدافع الجباه والصدور الى الغد القادم حيث التوثب لعناق المستقبل المضئ.

كنا ننشد ويتكون في مخيلتنا الطفولية صور متعددة بألوان زاهية لأنسانة تردد عنها الكثير في المنزل والمدرسة وأمسيات الكبار جميلة بو حيدر التي قال فيها الراحل نزار قباني :

أجمل طفلة.

أتعبت الشمس ولم تتعب    ..  يا ربي هل تحت الكوكب

يوجد انسان . يرضى ان يأكل … أن يشرب . من لحم مجاهدة تصلب.

هذه المناضلة التي ملأت السماء العربية عزة وكرامة بدأت حكايتها حيث كانت بنت وحيدة لأسرتها بين عدة شبان  كانت صفوفها الأولى في المدرسة حيث كان الطلاب يرددون صباحا فرنسا أمنا كانت تكسر المألوف بصوتها فيردد الصمت والباحة والجدران : ان الجزائر أمنا ، فبدأت رحلة العذاب بعقاب مدير المدرسة حيث تولد عندها نضج مبكر لمفردات المقاومة ، عندها بلغت العشرين من عمرها انضمت الى جبهة التحرير الوطني الجزائرية منذ السنة الأولى لأنطلاق الثورة العربية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ، تلك الثورة الشهيرة التي انطلقت منذ عام 1954الى أن حققت النصر بجلاء الاستعمار الفرنسي واندحاره لدى الشعب الجزائري.

عام 1961اضطر شارل ديغول تحت مطرقة ضربات الثوار وصمودهم رغم المليون والنصف مليون شهيد وبكلام دبلوماسي ان يصرخ أنه “ليس من مصلحة فرنسا البقاء في الجزائر” وهكذا حققت الجزائر في ذلك العام الاستقلال التام.

هذه جميلة بو حيدر التي كانت في يوم من الأيام من أوائل المطلوبين لدى الاستعمار الفرنسي ، فعند القاء القبض عليها عام 1957أثر اصابتها برصاصة ، كان تعذيبها حتى داخل المستشفى بالصعق الكهربائي الذي يؤدي الى ان تعيب عن وعيها ، لا تلبث أن تصحو لتصرخ تحيا الجزائر فتعود نوبات التعذيب من جديد .

وفي ذلك العام صدر الحكم عليها بالاعدام لولا التضامن الوطني القومي والاممي  وتدخل لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة حيث اكتفة الحكم بالسجن المؤبد.

هذه جميلة بو حيدر التي بلغت الان الرابعة والسعين عاما من عمرها تطلب المعونة الان لتتمكن من العلاج لأمراضها المتعددة ،وحيث تطلب واحدة من أهم رموز النضال العربي الاغاثة والمساعدة فذاك تقصير في وفاء ذاك الاستقلال .

وان كانت تصرخ جميلة بو حيدر صرخة مؤلمة واخزة تشوه صورة الوفاء المنتظر لتلك المناضلة ، الا أنها أيضا قد نبهتنا الى مشهد اكبر وأشمل الى رموز أخرى قد تكون منسية بشكل أو باخر وتلك الرموز ما أكثرها في ساحات العطاء المتعددة .

ولنردد أخيرا بعد استعارة من الشاعرة قوله فنقول :

ان قالت جميلة صدقوها           فلب القول ما قالت جميلة

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter