Posted in مقالات زائرة

صمود عرب الداخل ثروة غير مستغلة

يتعرض المواطنون العرب في إسرائيل، أو ما يطلق عليهم بـ “عرب الداخل”، أو “عرب 48″، إلى حملة شرسة من القمع والتحريض، لم يعرفوا مثيلاً لها من قبل، سواء كان عبر تشريعات القوانين العنصرية المتواصلة التي تطالهم أو عبر نهب المزيد من أراضيهم، خاصة أراضي البدو في النقب، وهدم منازلهم، فقد كانت غالبية أراضي فلسطين، يملكها المواطنون العرب قبل عام 1948، أما اليوم، ومع أن عدد العرب يتجاوز 20%، وبسبب المصادرات لأراضيهم، فإن ملكية العرب في إسرائيل لا تتجاوز 2.5% من مجموع الأراضي، وهذه سياسة إسرائيلية مبرمجة لها أهداف عدة، أولها: حمل المواطنين العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية على الهجرة والرحيل، والثاني: تعبئة الرأي العام الإسرائيلي ضدهم، ووصفهم بالأعداء وبالطابور الخامس الذين يعملون على تقويض المشروع الصهيوني، من الداخل، وهذه الاتهامات تندرج في إطار استمرار الظلم والتمييز اللاحق بهم، مما أدى إلى وجود أكثر من (40) قانوناً عنصرياً ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وبحسب النائب “أحمد الطيبي” فإن إسرائيل تدير ثلاثة أنظمة حكم: الديمقراطية لنحو 80% من السكان اليهود، الثاني نظام تمييز عنصري يطال 20% من المواطنين العرب في الداخل، أما الثالث فهو الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وتطبيق نظام “الأبرتهايد” الذي يمارس على الفلسطينيين.

في استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أعده البروفيسور “سامي سموحة” من جامعة حيفا، حول جدول العلاقات والتعايش بين اليهود والعرب- نشرته جريدة “هآرتس 25/5/2010″، والذي عُرض على الكنيست في إطار تردي العلاقات والتعايش بين اليهود والعرب في العقد الأخير-  أظهر هذا الاستطلاع أن 48% من المواطنين العرب، غير راضين عن حياتهم في إسرائيل، مقابل 35% قالوا ذلك في عام 2003، كذلك تضاعف عدد العرب الذين لا يبدون استعداداً لمصادقة يهود، والأهم أن 62% من عرب الداخل يخشون “الترانسفير”، مقابل 6% عبروا عن هذا الخوف عام 2003، كما أكد 40% من المستطلعين عن عدم ثقتهم بالقضاء الإسرائيلي وبقراراته، فيما أيد 40.6% من المواطنين العرب مقاطعة انتخابات الكنيست.

وعلى الصعيد الديمغرافي، فإن 58% من المستطلعين اليهود، يتخوفون من تهديد الوضع الديمغرافي لصالح العرب، جراء نسبة الولادة العالية لديهم، إذ تصل إلى ثلاثة أطفال، مقابل 2.1 لدى اليهود، فهذه المعطيات ككل  تشكل دلالة على فشل التعايش بين المواطنين العرب واليهود، الناجمة عن سياسات التمييز العنصرية نحو العرب، ولنأخذ مثالاً آخر، في استطلاع خصص لآراء الشبيبة اليهودية، أجري من قبل معهد الدراسات “مآغار موحوت- وترجمتها” خزينة العقول”- فإن 50% من المستطلعين الشباب اليهود يعتقدون انه يجب عدم منح العرب حقوقا مماثلة لحقوق اليهود في إسرائيل ، بينما قال 56% منهم أنه يجب منع العرب من الترشح للكنيست، ويرفض 48% إخلاء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، ويتصاعد التطرف ويزداد بين الشبيبة اليهودية المتدينة، إذ أن 82% يطالبون بعدم منح المواطنين العرب حقوقاً متساوية، ويعارض 82% من الشبيبة المتدينة انتخاب نواب عرب لعضوية الكنيست، فيما يطالب 56% بمنع منح حق التصويت للكنيست للمواطنين العرب.

في آخر معطيات إحصائية صادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي، بلغ عدد سكان إسرائيل حتى شهر نيسان الماضي 7.6 مليون نسمة، منهم 5.7 مليون يهودي، يشكلون 75.6%، بينما كان عدد اليهود عند إقامة إسرائيل أقل من (700) ألف نسمة، ويبلغ عدد المواطنين العرب في إسرائيل 1.548.000 نسمة يشكلون 20.4% منهم 270 ألف نسمة في القدس الشرقية وهضبة الجولان وهناك نحو 313 ألف نسمة يصنفون بآخرين ومعظمهم من القادمين الجدد وذريتهم من غير المسجلين كيهود في وزارة الداخلية، ويشكلون 4.1% من كافة السكان.

إن أبواق الحكومة الإسرائيلية ووسائل إعلامها، يتهمون عرب الداخل وقيادتهم بالتحريض على الدولة، رداً على ما يكشف عنه النواب العرب، وقيادات الداخل، ولجنة المتابعة لعرب الداخل، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب العرب، والمؤسسات الحقوقية من الممارسات العنصرية ولكن هذه الحملات ليس باستطاعتها إسكات أفواه عرب الداخل التي تكشف حقيقة التمييز العنصري اللاحق بهم. ففي تقرير عن العنصرية لعام 2010-“معاريف 22/3/2010” نشر من قبل الهيئة لمحاربة العنصرية في إسرائيل، وهي هيئة مستقلة- جاء فيه: أن الكنيست الإسرائيلية الحالية رقم (18) هي أكثر كنيست عنصرية منذ إقامة إسرائيل، وأن عدد مشاريع القوانين العنصرية التي تغبن حقوق المواطنين العرب خلال هذه الكنيست وصل إلى ذروته، وجاء في التقرير أن الكنيست بحثت في عام 2008 (11) قانوناً عنصرياً، وفي عام 2009، ارتفع العدد ليصل إلى (12) قانوناً عنصرياً، وفي عام 2010، قفز عدد القوانين العنصرية ليصل إلى (21) قانوناً، وأن جميع هذه القوانين، تعمل لإضعاف مكانة المواطنين العرب في الداخل، وتقليص حقوقهم، مع التهديد الدائم والمتواصل على شرعية وجودهم، ومن بين هذه القوانين: عقوبة السجن على كل من ينفي وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، دعم رسوم التعليم لمن يخدمون في الجيش فقط، تعديل قانون القدس ليصبح أن القدس هي عاصمة الشعب اليهودي، تعديل قانون الجنسية بحيث يحق لوزير الداخلية سحب الجنسية لمن يحمل طابع انتهاك الولاء للدولة، قانون النكبة الذي يمنع مواطني الداخل تنظيم المسيرات بذكرى نكبتهم، تشديد العقوبات ضد الأسرى وخاصة أسرى حماس، سحب الجنسية لمن يدان بجريمة إرهاب اوتجسس، سحب الجنسية وإسقاط حق المواطنة، حرمان أعضاء الكنيست العرب الذين زاروا ليبيا من حصانتهم وحقوقهم.. والقائمة طويلة.

في خطابه أمام الكنيست في مطلع هذا العام، تطرق الشيخ النائب إبراهيم صرصور، رئيس الحركة الإسلامية، ورئيس القائمة الموحدة إلى أربعة فتاوى يهودية صدرت عن الحاخامات هي الأكثر فاشية وتطرفاً وجنوناً، الفتوى الأولى: تأمر بمنع الفلسطينيين من دخول أراضيهم الخاصة، الثانية تأمر بقطع أشجار الزيتون الفلسطينية، وتخريب المزارع والكروم، وحرق الأملاك الفلسطينية أينما وجدت، الثالثة: تأمر بتسميم مصادر المياه الفلسطينية والمس بأماكنهم المقدسة، أما الفتوى الرابعة: فتأمر بقتل الفلسطينيين بما فيهم الأطفال، لما يشكلونه من خطر وجودي على إسرائيل مستقبلاً على حد زعمهم، إن هذا الاستعمال السيئ للدين اليهودي يجب أن يقض مضاجع اليهود، ممن  يعتقدون بأن اليهودية دين إنساني، فإذا كانت هذه الفتاوى تعبر عن واقع الحال، فإن ذلك يكشف حقيقة من يصدر هذه الفتاوى من حقد وفاشية.

إن الاتجاه اليميني الإسرائيلي يدعو للعمل على التخلص من عرب الداخل، وعدم وجود نواب عرب وطنيين يدافعون عن حقوق مواطنيهم، فقبل سنوات، كان هناك توجه بتحديد حق المشاركة في انتخابات الكنيست، لمن يخدمون في الجيش فقط، لكن ولاعتبارات خارجية متعلقة بمزاعم الديمقراطية الإسرائيلية، أجّل التعامل مع هذا التوجه، وعشية الانتخابات الأخيرة حاول اليمين الإسرائيلي في لجنة الانتخابات المركزية، إلغاء مشاركة قائمتين عربيتين على الأقل هما: القائمة العربية الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي “بلد” غير أن لجنة الانتخابات لم تأخذ بهذا الطلب لأسباب قانونية، وهذا ليس نهاية المطاف، ففي شهر شباط الماضي رفعت الحصانة البرلمانية عن النائب “سعيد نفاع” من “بلد”، تمهيداً لمحاكمته على خلفية سفره إلى سورية عام 2007، على رأس وفد من رجال الدين الدروز، في المقابل اختارت جريدة “معاريف 1/4/2010” في ملحقها الخاص بمناسبة الأعياد اليهودية النائب العربي في الكنيست “د. أحمد الطيبي”، كأحد أفضل عشرة سياسيين في إسرائيل، وجاء هذا الاختيار وفقاً لمعايير مهنية، بينها القدرة على التأثير، الحراك السياسي، الشعبية الجماهيرية، المواظبة، تحديد الأجندة، والعمل بحكمة سياسية، وفي تشريع القوانين، وقد جاء في حيثيات اختيار “الطيبي”، أنه لو كان يهودياً لوصل إلى منصب رئيس الحكومة، ولو كان من مناطق عام 1967 لأصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية.

إن أقوال “الطيبي” في الكنيست، تثير كثيراً من غضب النواب اليهود، غير أنه يطرح تحدياً جديراً بالاحترام، وعلى سبيل المثال، فقد رد على أقوال نائب وزير الخارجية “داني أيالون” التي جاء فيها:”عرب إسرائيل لن يخسروا بضمهم للدولة الفلسطينية”، وكان رد الطيبي عليه، بأن “أيالون” يجهل معنى الديمقراطية وحقوق المواطنة، وأن عرب الداخل ليسوا أحجار شطرنج، تحرك من هنا لهناك، وهم ليسوا مهاجرين، “ولم نصل إلى هذه البلاد بالطائرات، نحن لم نطالب بطرد أحد، ولكن إن لم يكن هناك بد من رحيل البعض فإن من وصل أخيراً عليه أن يرحل أولاً، وبذلك سينخفض عدد الفاشيين في إسرائيل أمثال “أيالون” و”ليبرمان”، ويقول “الطيبي” أن ليس من حق الشعوب مقاومة الاحتلال فقط، بل أن ذلك من واجبها، كما قال “الطيبي” أنه لا يحق لأحد إلصاق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين، بعد احتفال الكنيست بالمخربين والإرهابيين من عصابات الاتسيل والليحي الذين أعدموا من قبل الانتداب البريطاني عام 1947، لقيامهم بمهاجمة الباصات ودور السينما والمقاهي العربية.

على خلفية مشاركته في مظاهرة بلعين التي تقام أسبوعياً، احتجاجاً على إقامة جدار الفصل العنصري، تحاكم إسرائيل النائب “محمد بركة”، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بتهمة التظاهر، والتي تعود إلى أعوام 2005، 2006، 2007، وأن التهمة الموجه إليه، الاعتداء على رجال الشرطة، وعرقلة مهامهم، وهذه محاكمة سياسية بامتياز، هدفها إرهاب وتخويف المواطنين، ومع أن المحاكمة أرجئت بقرار من القاضي الذي طلب من النيابة العامة إعطاء أسباب تجميع تهم مختلفة في ملف واحد بضمها أربعة بنود اعتبرتها النيابة جنائية.

إن النواب العرب في الكنيست، وقيادات الجماهير العربية في الداخل، يدفعون ثمناً لا يقدر مقابل تصديهم لسياسة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تقدمت عدة منظمات إسرائيلية بطلب لمحاكمة النائب “جمال زحالقة” من حزب “بلد”، لمشاركته في التنديد بالحصار المفروض على قطاع غزة ومشاركته بالتظاهر على معبر “بيت حانون”، ولنعته وزير الحرب “ايهود باراك” بقاتل أطفال غزة، وكرر هذه الأقوال، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، مما أدى إلى تصادمه مع مقدم البرنامج الذي تطور إلى سجال ووصف البرنامج تصريحات “زحالقة” “بالوقاحة” مما أدى إلى إنهاء المقابلة، أما النائب “عفو اغبارية” وهو رئيس اللوبي البرلماني لمناهضة العنصرية، فقد أشار إلى المعطيات التي وردت في التقرير الذي صدر عن ائتلاف مناهضة العنصرية، مما يدل إلى أي درك وصلت إليه المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، فالشارع الإسرائيلي يتجه بغالبيته نحو التطرف، تحت تأثير حملة التحريض التي تقودها حكومة اليمين الإسرائيلي، من خلال تشريع أفظع القوانين عنصرية.

وإذا ما أردنا إيجاز ما تقدم والدور الهام الذي يقوده النواب العرب في الكنيست وخارجها نصل إلى نتيجة أن الصراع من أجل الحقوق يأخذ اتجاهات ووسائل مختلفة، وليس بالسلاح وحده، فإنه يحتاج إلى الحوار، والمواجهة السياسية، وإلى اختراق المجتمع والرأي العام الإسرائيلي، إضافة إلى الساحة الدولية، فتواجد النواب العرب في الكنيست له أهمية كبيرة، إذ أن هناك (11) نائباً عربياً ينتمون إلى الأحزاب الوطنية في الكنيست الحالية، وهناك أربع نواب عرب انتخبوا في قوائم الأحزاب الصهيونية، وبينما كانت الأحزاب الصهيونية تحصد نحو 60% من الأصوات العربية، البالغة نحو نصف مليون مواطن عربي من أصحاب حق الاقتراع فقد تدنت هذه النسبة ووصلت إلى نحو 30% فقط، تذهب إلى الأحزاب الصهيونية، وهناك حوار بين عرب الداخل في هذا الموضوع، فهناك من يعارض المشاركة في الانتخابات، إذ أنها تظهر ديمقراطية إسرائيل أمام العالم من جهة، وأن لا تأثير يذكر للنواب العرب في الكنيست من وجهة نظرهم من جهة أخرى، ففي الانتخابات الأخيرة شارك في عملية الاقتراع ما يقارب 52% من المصوتين العرب فقط، مقابل نحو 70% من المصوتين اليهود، ولو افترضنا أن الإقبال على التصويت كان واسعاً، فقد تحصل الأحزاب العربية على (15) مقعداً، ليشكلوا القوة الثانية من حيث الكتل البرلمانية في الكنيست، بينما يحتل حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة الفاشي “أفيغدور ليبرمان” المكان الثاني في تصنيف الأحزاب، إذ لديه (15) نائباً، وأصبح “ليبرمان” المؤثر والذي يوصف بملك إسرائيل، فهنيئاً لهم مثل هذا الملك، فهناك حاجة لحوار جدي بين القيادات العربية في الداخل، لتوحيد صفوفها، ولكي تكون قوة أكبر لفضح الممارسات والتشريعات العنصرية، صحيح أن تأثيرهم في الكنيست محدود، لكونهم في المعارضة، لكن قوتهم الإعلامية في الداخل والخارج كبيرة، ولنتذكر أنه في عام 1992، لم يكن “اسحق رابين” ليفوز برئاسة الحكومة، لولا النواب العرب، فقد كانت الحكومة مشكلة من حزبي العمل وميرتس، ولهما (56) نائباً، وكان للعرب خمس نواب فقط، فقد منحوا تأييدهم “لرابين”، وحصلوا منه على إنجازات كبيرة في الموازنات وفي تطوير القرى العربية في الداخل، حتى أنهم نجحوا في منع مصادرات أراضي في ذلك الحين حتى من داخل القدس الشرقية، فالحاخامات وصفوا حكومة “رابين” بأنها غير شرعية لاعتمادها على الأصوات العربية، فالملعب السياسي هو أحد ساحات الصراع وليس الوحيد، فعلينا استغلاله، فعرب الداخل يشكلون القاعدة للصمود في وجه المخططات الإسرائيلية، وثروة لا يستهان بها واللوبي القوي والداعم للقضية الفلسطينية، وللأمة العربية.


9/10/2010

تحليل أسبوعي

كي لا يصبح مصير

القدس كمصير عرب 1948

غازي السعدي

بعد تدمير (531) قرية فلسطينية، وهدم مقابرها وأماكن عبادات في منطقة 1948، جرى تشريع ثلاثة قوانين من قبل الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على أملاك وأراضي وعقارات الفلسطينيين، تشمل أوقافهم ومساجدهم ومقابرهم، ففي مطلع الخمسينات، شرّع الكنيست: 1-قانون أملاك الغائبين، 2-قانون استملاك الأراضي، 3-قانون الإنشاء والتعمير، وفي هذه الأيام يقوم الاحتلال بتطبيق هذه القوانين على القدس الشرقية، بعد أن أقرت الحكومة الإسرائيلية في شهر تموز من عام 2004 تطبيقها على القدس الشرقية، إلا أن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية “مني مزوز”، جمد تطبيق هذه القوانين على القدس الشرقية، لأسباب سياسية، إلا أن الجمعيات الاستيطانية الناشطة في تهويد القدس الشرقية، حركت الجهات المختصة، لتفعيل تطبيقها، بعد أن استولت- وما زالت تعمل للاستيلاء- على عشرات العقارات والأراضي المقدسية، بالتواطؤ مع حارس أملاك الغائبين، وجهات رسمية أخرى تعمل على دعم وتمويل نشاطات هذه الجمعيات الاستيطانية في القدس الشرقية.

في إسرائيل نحو(30) قانوناً فرعياً تعطي سلطات الاحتلال حق وضع اليد على أراضي الفلسطينيين، رغم أن هذه القوانين العنصرية تتعارض مع القانون الدولي، وأن تطبيقها -خاصة في القدس الشرقية- يشكل إعلان حرب على الوجود الفلسطيني في القدس، إذ أن نحو 80% من أملاك الفلسطينيين في القدس مهددة بالمصادرة، وأن تطبيقها يندرج ضمن سلسلة تهويد المدينة، والسعي الإسرائيلي لتنفيذ سياسة التطهير العرقي، وتغيير الطابع الديمغرافي للمدينة، واقتلاع الفلسطينيين منها، فبعد بناء جدار الفصل العنصري، الذي أخرج آلاف الفلسطينيين المقدسيين منها، وقذف بهم خارج هذا الجدار، فإن الفلسطينيين في المدينة، ما يزالون يشكلون 35% من مجموع السكان في القدس الكبرى، إلا أن التوجهات الإسرائيلية تعمل على تخفيض هذا العدد ليصبح 12% فقط.

إن ما يجري تطبيقه في القدس الشرقية، هو نسخة طبق الأصل عما جرى تطبيقه في منطقة عام 1948، فبعد الاحتلال مباشرة وضعت إسرائيل يدها على معظم أملاك الفلسطينيين، منهم الحاضرون الذين أصبحوا مواطنين وفقاً للقوانين الإسرائيلية، ومنهم ممن اضطروا للرحيل ليصبحوا لاجئين مبعثرين في أنحاء العالم، هرباً من المذابح التي نفذتها العصابات الصهيونية بالمواطنين العرب.

إن تفعيل قانون أملاك الغائبين في القدس الشرقية، سيطال نحو 50% من العقارات التي يقيم مالكوها أو ورثتهم خارج حدود بلدية القدس، أو انتقلوا إلى الضفة الغربية، أو إلى الدول العربية والأجنبية، وعلى سبيل المثال، فإن فندق “كليف” في القدس الشرقية، الذي يسكن مالكه في أبو ديس، مهدد بالمصادرة، كذلك فندق “شبرد” بالشيخ جراح، وفندق “الأقواس السبعة” في الطور، وجزء من فندق “الامبسادور” في الشيخ جراح أيضا، ومكتب العمل في وادي الجوز، ومنزل عائلة “أبو غطاس” التي تقطن في بيت جالا، إلى جانب (17) منزلاً في قرية سلوان، وهناك أكثر من (50) منزلاً مهددين بالمصادرة.

النائب العربي في الكنيست “مسعود غنايم”، تقدم باستجواب إلى رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، مطالباً بالكشف عن حجم الأملاك الوقفية التي تُدار من قبل حارس أملاك الغائبين منذ عام 1948، وشرعت دائرة أراضي إسرائيل ببيع العديد منها بالمزاد العلني، مطالباً بالكشف عن أرباحها والجهات التي تستخدمها، وتستفيد منها، وكيفية إدارتها وصرف أرباحها، مستنداً إلى مطالبة العديد من القيادات والجمعيات العربية في الداخل، بالكشف عن حجم هذه الأراضي والعقارات الوقفية، وعن الجهات التي تشرف على إدارتها، وعلى الأموال التي تحصل عليها خزينة الدولة جراء تأجيرها أو بيعها، فالمسلمون لا يعرفون سوى القليل عن هذه الأملاك، مع أن ذلك حق أساسي من حقوقهم، حتى أن السلطات الإسرائيلية، شرّعت القوانين لمنع المسلمين من صيانة ورعاية هذه المقدسات، وتُجرّم من يقوم بأعمال الصيانة لها.

من جانب آخر، فقد تقدمت جمعية حقوق الإنسان في مدينة يافا، وأربعة من سكان المدينة، بالتماس إلى محكمة تل أبيب اللوائية، للكشف عن أملاك الوقف الإسلامي، فقد رفضت المحكمة اللوائية للمرة الثانية-كانت الأولى عام 2007- الاستجابة لطلبهم والكشف عن هذه الأملاك، بحجة أن ذلك سيضر بعلاقات إسرائيل الخارجية، مما يدل على أن السلطات الإسرائيلية متورطة وارتكبت مخالفات بشعة في إدارة أملاك الأوقاف الإسلامية، فلماذا ترفض إعطاء المعلومات عن الأملاك الوقفية التي حولت أو بيعت، من قبل حارس أملاك الغائبين إلى جهات أخرى، أو إعطاء معلومات عن الدخل المادي الذي حققه القيم والمسؤولون عن هذه الأملاك، وعن الأهداف التي استخدمت فيها هذه الأموال؟ فقد عودتنا إسرائيل بأن إجراءاتها وقوانينها تُفعّل بمزاعم أمنية، فهل عدم الكشف عن أملاك الأوقاف يتعلق أيضاً بأمن إسرائيل؟

إسرائيل تعمل على جميع الصعد، لسن وتشريع قوانين عنصرية كان آخرها تعديل على قانون الجنسية، والإدلاء بيمين الولاء لدولة إسرائيل اليهودية، ولم تقتصر مصادرة أراضي الفلسطينيين على الضفة الغربية فحسب، بل أن جرافات الاحتلال تعمل يومياً على مصادرة أراضي العرب البدو في النقب، وهدم منازلهم، وما تبقى من أراضيهم، فبدو النقب يواجهون أيضاً مخططات الهدم والترحيل، كما هو الحال في القدس الشرقية، وأماكن أخرى، فقد أعلنت وزارة الزراعة الإسرائيلية عن مبادرة جديدة، أُطلق عليها “خذ مزرعة دون مقابل”، فقد جاء في إعلان الزراعة، أن دولة إسرائيل ستمنح كل من يريد أن يكون مزارعاً من بين اليهود، الحصول على (80) دونما مجانيا من أراضي النقب، ضمن سياسة إسرائيلية لتوطين النقب باليهود، على حساب أراضي البدو العرب، الذين يتعرضون لمخططات الهدم والترحيل، ونقلهم إلى مسطحات صغيرة، كان آخرها عمليات الهدم المتواصلة في عدد من القرى البدوية في النقب، منها “العراقيب”، “وخشم زنة”، و”جرول أبو طويل” إلى جانب عدد من القرى التي ترفض إسرائيل الاعتراف بوجودها، وتمنع توفير البنى التحتية الضرورية لها، لتعطي أراضيهم إلى الكيبوتسات، وإلى المهاجرين اليهود الذين هجروا من دول العالم إلى أرض الحليب والعسل.

إن الأراضي الوقفية الإسلامية تقدر بـ 1.2% من مساحة فلسطين التاريخية، تشتمل على نحو (2500) موقع من مساجد ومقابر، فقبل بضع سنوات، ووفقاً لتشريعات إسرائيلية، تم بيع جزء من الأراضي الوقفية إلى الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي العربية، فالسياسة الإسرائيلية تعمل على طمس وتدمير المعالم الإسلامية في فلسطين، فأموال الوقف الإسلامي تُصرف بمعظمها على المشاريع الإسرائيلية، بدلاً من صرفها على المساجد والمقابر والمعالم الإسلامية، فالمطلوب التحرك على جميع الصعد السياسية والإعلامية المحلية والدولية لكشف الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بالقدس وبالأوقاف الإسلامية، وقضايا البدو وعرب الداخل، قبل أن يصبح مصير القدس كمصير منطقة 1948.


18/12/2010

تحليل أسبوعي

اسرائيل ..من العنصرية

الخفية إلى العنصرية العلنية

غازي السعدي

في الوقت الذي يبحث فيه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، الجوانب القانونية لفتاوى الحاخامات الداعية لمنع بيع أو تأجير الشقق السكنية للمواطنين العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية، أو حتى للطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الإسرائيلية، ويحتاجون إلى مسكن، وعقب الشكاوى التي انهالت عليه ضد هذه الفتاوى من قبل مواطنين عرب وغير عرب، والحملات التي شنتها الصحف الإسرائيلية في مقالاتها ضد هذه الفتاوى من قبل عقلاء ومعتدلين إسرائيليين، عقب كل هذا طلع علينا حزب “الاتحاد الوطني” بتقديمه مشروع قانون وضعه على جدول أعمال الكنيست، لمنح حصانة قانونية للحاخامات، شبيهة بحصانة نواب الكنيست، تحت مصطلح حرية التعبير، ومنع محاكمتهم ومعاقبتهم، فهذا المرض العنصري الخبيث، الذي بدأه الحاخام الرئيسي لمدينة صفد في الشمال “شموئيل الياهو”، انتشر بصورة مذهلة، حتى وصل ايلات في الجنوب، مروراً بطبريا وبني براك في الوسط، ليعلن حاخامو مدينة بعد أخرى عن عنصريتهم، لتمتد هذه العنصرية إلى إجراءات عملية بطرد بعض العرب من شققهم، بعد قطع التيار الكهربائي والماء عنهم، وسط صمت مميت للحكومة الإسرائيلية “الديمقراطية جداً”.

لقد استغل هؤلاء الحاخامات الأرضية التي هيأتها الحكومة من تحريض وكراهية وتمييز ضد المواطنين العرب، بأن أصدر خمسون حاخاماً فتوى جاء فيها:” هناك تحريم شرعي شديد لبيع وتأجير الشقق للعرب، ومن يؤجر بيتاً لغير اليهودي، سيكون معرضاً للنبذ”، ولم يقف الأمر على هؤلاء الخمسين، فسرعان ما انضم إليهم (300) حاخام، وقعوا على هذه الفتوى، فهؤلاء الحاخامات من حاخامات المدن الإسرائيلية، وبعضهم رؤساء مدارس دينية يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة، ويعتبرون موظفين حكوميين، فقانون الخدمات الدينية اليهودية يحظر عليهم إصدار مثل هذه الفتاوى والدعوات العنصرية، ووفقاً للقانون، يتطلب تقديمهم للمحاكمة الانضباطية كتوطئة لإقالتهم من الخدمة، إذ أن الإقالات تشكل العنصر الرادع أمامهم لعنصريتهم الفظة، غير أن وزير الشؤون الدينية، يتغاضى عن معاقبتهم، أما المستشار القانوني للحكومة فهو ما يزال “يدرس” القضية.

حاخام صفد العنصري ومنذ سنوات يحرض ضد الطلاب العرب الذين يدرسون في المدينة، وقد سبق أن دعا سكان صفد لمنع تأجير أو بيع المساكن للعرب، وقبل ست سنوات وجهت إليه النيابة العامة تهمة التحريض على العنصرية، دون اتخاذ إجراءات ضده، واكتفت بتعهد من قبله بالامتناع عن مثل هذه الدعوات، لكنه عاد بل قاد حملة الحاخامات الجديدة، فإن عدم اتخاذ إجراءات قانونية تأديبية وغير تأديبية بحق هؤلاء الحاخامات، باعتبارهم موظفو دولة، وتجاهل السلطات الإسرائيلية لهذا التحريض، فإنهم سيواصلون عربدتهم، مع إصرار حاخام صفد “شموئيل الياهو” علنا على مواصلة حملته ودعوته العنصرية، وجمع المزيد من التأييد والتواقيع من قبل حاخامات آخرين.

إن انطلاقة عنصرية الحاخامات مصدرها التحريض الذي تقوم به القيادة السياسية الإسرائيلية وكمنافسة بين السياسيين على إقرار التشريعات العنصرية من قبل الكنيست ضد المواطنين العرب، لكن الوقاحة- وليست جديدة عليه- ما خرج علينا به وزير الخارجية “افيغدور ليبرمان”- وهو يعتز ويفتخر بعنصريته وفاشيته التي حققت له شعبية بين المتطرفين- الذي اتهم قيادة الفلسطينيين داخل إسرائيل، وحملها مسؤولية الكراهية التي يبديها اليهود لعرب الداخل، “هآرتس 5/12/2010” علماً أن هذا العنصري يتم التحقيق معه في الشرطة بتهمة تبييض الأموال، وبالفساد، وعلاقته مع المافيا اليهودية الروسية، فإن الخارطة السياسية الحزبية التي أسفرت عنها انتخابات الكنيست الأخيرة، تجعل حزبه “إسرائيل بيتنا” ضمانة استمرار وبقاء هذه الحكومة، وبقاء رئيسها “نتنياهو” على رأسها فنحن أمام معادلة خطيرة ستضر على المدى البعيد، بالإسرائيليين أكثر من إضرارها بالعرب، فقد سئل “ليبرمان” من قبل الإذاعة الإسرائيلية، عن معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذي قال ثلث المستطلعين، بأنه يجب نقل مواطني عرب الداخل في حالة الحرب، ووضعهم في معسكرات مغلقة، كما أن أكثر من نصف الإسرائيليين، يؤيدون تشجيع عرب الداخل على الهجرة، فكان تعقيب ليبرمان على نتائج هذه الاستطلاعات، بتحميله –كما أسلفنا- قيادة عرب الداخل المسؤولية عنها مستشهداً بهتاف مجموعات من عرب الداخل لحزب الله، وحملهم صور “حسن نصر الله”، وأن من يؤيد علناً حركة “حماس” حسب “ليبرمان”، ويقف إلى جانبها ضد دولة إسرائيل، يتحمل المسؤولية عن نتائج استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، منوهاً بهذا لمشاركة النائبة “حنين الزعبي” في أسطول الحرية إلى غزة، والنائب “عزمي بشارة” الذي اتهم بالتجسس، و”أمير مخول” الناشط بحقوق الإنسان، الذي اعترف بالتجسس لصالح حزب الله، غير أنه يتجاهل مواقفه وتصريحاته العنصرية، وكتابه الذي نشره ويدعو فيه إلى التخلص من عرب الداخل، وكانت دعواته هذه سبقت الأمثلة التي استشهد بها لتبرير عنصرية الشارع الإسرائيلي.

إن مصطلح “معاداة السامية” الذي ابتكرته الحركة الصهيونية، كان أساس هذا الابتكار يتركز على معاداة الدين اليهودي، ثم زحف وتحول وانتقل لمصطلح معاداة الشعب اليهودي، أما اليوم فإنه يوظف لتوجيه الاتهام لكل من ينتقد دولة إسرائيل على الممارسات التي تقوم بها، فيتهم بمعاداة السامية، فقد أجرت جريدة “يديعوت احرونوت 14/12/2010” استطلاعاً حول فتاوى الحاخامات الداعية لعدم بيع أو تأجير المنازل والشقق السكنية للعرب، فهذه الفتاوى العنصرية، وجدت تأييداً لها من قبل 55% من الإسرائيليين، وجاء في استطلاع آخر، أن 54% من المستطلعين، يؤيدون طلب الإدلاء بتصريح الولاء للدولة اليهودية الديمقراطية والصهيونية من المواطنين العرب، كشرط للحصول على حق الاقتراح لانتخابات الكنيست، و55% من المستطلعين يؤيدون تخصيص الدولة ميزانيات أكبر للمدن والقرى اليهودية، مما تخصصه للمدن والقرى العربية، والحقيقة أن هذا ما يجري حالياً، فالتمييز العنصري الرسمي من قبل الحكومة في كل ما يتعلق بأوضاع عرب الداخل قائم، والحكم العسكري الذي فرض عليهم على مدى عدة عقود، ومصادرة أراضيهم، وهذا ما يزال مستمراً في أراضي النقب حالياً وغير النقب، مما يدل على فشل ذريع للمجتمع الإسرائيلي، في استيعابه وعلاقته مع عرب الداخل، وأن نتائج هذه الاستطلاعات، يجب أن تشعل الضوء الأحمر أمام القيادة الإسرائيلية وأن ما اعتبره الحاخام “عوباديا يوسف” الزعيم الروحي لحزب شاس، بأن حرائق جبل الكرمل كانت نتيجة لانتهاك اليهود لحرمة السبت، كان عليه الاستنتاج أن ذلك بسبب الظلم الممارس على الفلسطينيين.

إن العرب في إسرائيل، هم سكان البلاد الأصليين أباً عن جد، وجذورهم عميقة في بلادهم، وأن وتيرة التغيرات في المجتمع الإسرائيلي نحوهم وانتشار جرثومة العنصرية وسرعة انتشارها ضدهم، تشكل خطراً على المجتمع الإسرائيلي، وقد تؤدي إلى انهياره، ونزع الشرعية الذي يجري تداوله حالياً في إسرائيل، فقد أخطأ المجتمع الدولي، في إسقاطه للقرار السابق من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يربط بين الصهيونية والعنصرية، وكان الخطأ الأكبر أن بعض الدول العربية صوتت إلى جانب هذا الإسقاط وهذه التبرئة، ومع أن التشريعات العنصرية مستمرة وهذا يدل على طبيعة نظام الحكم وطبيعة المجتمع الإسرائيلي، إلا أن العقلاء من بين الإسرائيليين، يعتبرون بأن هذا النهج، سيعرض إسرائيل ومستقبلها للخطر والانهيار، بقدر لا يقل عن أخطاء الحروب.

أو كما كتبت الصحفية “ياعيل باز ملمد” في “معاريف8/12/2010”: “زلزال كراهية العرب يضرب إسرائيل-أنقذونا من أنفسنا”.


29/3/2008

تحليل أسبوعي

لهذه الأسباب يتجند البدو والدروز للخدمة

في الجيش الإسرائيلي

غازي السعدي

جاء في الأنباء، أن قيادة الجيش الإسرائيلي، أمرت بوقف مشروع استيعاب الطلبة العرب من البدو المتميزين في دراستهم، ومنعهم من الالتحاق بكلية مهن الطيران “عمال” الموجودة في القاعدة الجوية العسكرية “رمات دافيد” المقامة في مرج بن عامر شرقي مدينة حيفا، فكلية “عمال” تُعد الطلبة على مدار أربع سنوات لدمجهم في قسم الطاقة البشرية لسلاح الجو الإسرائيلي تمهيدا لصيانة الطائرات العسكرية، وهناك (12) طالبا من البدو انخرطوا في هذه الكلية، وما زالوا يواصلون دراستهم فيها، وقبل سنة أنهى أول طالب بدوي دراسته في هذه الكلية بتميز، لكن القيادة العسكرية لم تجنده في سلاح الجو حتى اليوم، وما زال ينتظر.

ويبدو أن قرار منع استيعاب طلبة من غير اليهود، جاء لأسباب أمنية، مما أثار الغضب في الوسط البدوي، فهؤلاء الطلبة، الذين تدربوا في قاعدة الجو المذكورة، وشاهدوا الطائرات، وتعرفوا على اسرارها، يُمنعون من التجند في سلاح الجو، بينما يعمل الجيش على إرسالهم الى الخطوط الأمامية، للموت على السياج الحدودي في الشمال وفي الجنوب، وفي الضفة الغربية، وفي قطاع غزة قبل الانسحاب، لكن ليس لإصلاح الطائرات العسكرية الإسرائيلية.

في تعقيب من قبل الناطق العسكري الإسرائيلي على منع إلحاق الخريجين البدو بسلاح الجو، برر هذا القرار، بأن قانون خدمة العلم في الجيش الإسرائيلي لا يسري على العرب البدو، وأن كل من هو غير ملزم بالخدمة العسكرية، لا يسمح له بالتواجد في القواعد العسكرية الحساسة، بل يتم دمجهم في الوحدات العسكرية الأخرى، أي الأماكن الخطرة، وخاصة على خطوط مواجهة أبناء جلدتهم، وللموت فقط، بدلا من الجنود اليهود.

في أعقاب قيام إسرائيل عام 1948، لجأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلى تقسيم المواطنين العرب الى طوائف وحمائل وقبائل، للتفريق والتمييز ودق الأسافين بينهم، فبينما كان الدروز يعالجون قضاياهم المدنية قبل قيام إسرائيل في المحاكم الشرعية الإسلامية، جرى فصلهم عنها وإقامة  محاكم شرعية خاصة بهم بقرار إسرائيلي، كما شرع الكنيست قانون الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي على الدروز والشركس، منذ عام 1954، رغم معارضة الكثيرين من أبناء هذه الطائفة، وصنفوا المواطنين العرب الى مسلمين، مسيحيين، دروز وبدو، وصنعوا من العرب البدو طائفة كبقية الطوائف، ومع أن قانون خدمة العلم لا يسري على العرب من مسلمين ومسيحيين وبدو، إلا أن أعدادا كبيرة من البدو وقلة من المسلمين والمسيحيين، تجندوا طواعية في الجيش، لأسباب معيشية واقتصادية، لكنها ليست مبررة.

في إحصائية تعداد السكان في إسرائيل التي صدرت عن مكتب الإحصاء الرسمي نهاية عام 2007، جاء أن : مجموع عدد السكان يبلغ (7.241) مليون نسمة، وأن نسبة 75% من مجموع عدد السكان يهود، إذ بلغ عددهم (5.472) مليون نسمة، بينما يبلغ عدد المواطنين العرب (1.449) مليون ويشكلون نسبة 20.6% من مجموع عدد السكان، ويقيم في إسرائيل (320) ألف نسمة من المهاجرين يشكلون 4.4% غير معترف بيهوديتهم، بينهم مسيحيون لبنانيون وغير لبنانين وأديان أخرى، وعلى صعيد الطوائف فقد بلغ عدد المواطنين المسلمين بما فيهم البدو (1.140) مليون نسمة، والمسيحيين (152) ألف نسمة، ويبلغ عدد المواطنين الدروز بنحو (120)  ألف نسمة، ومن ضمن مجموع عدد المواطنين العرب، يتواجد (160) ألف عربي بدوي في النقب، منهم نحو (90) ألفا يعيشون في قرى ترفض الحكومة الاعتراف بها، وتعتبر هذه القرى  غير قانونية مع أنها قائمة قبل إقامة إسرائيل، تمهيدا لترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم،  فإسرائيل تعمل على مضايقتهم  بشتى الوسائل والطرق، فتهدم بيوتهم، وترش مزارعهم، بالمواد السامة من الجو بواسطة الطائرات، لدفعهم إلى الرحيل، لقد كان البدو العرب يملكون قبل قيام إسرائيل، 98% من أراضي النقب، لكن إسرائيل لا تعترف بملكيتهم على أراضيهم، مستندة للقانون العثماني لعام (1858)، والانتدابي البريطاني لعام (1921)، ففي أعقاب اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، تم مصادرة عشرات آلاف الدونمات من البدو، لنقل معسكرات الجيش الإسرائيلي من سيناء، كما تم إقامة أكبر مطارين عسكريين في النقب، ومدينة لإسكان الجنود، ويتبين من أوراق مؤتمر هرتسليا متعدد المجالات الذي عقد عام 2006، أن هناك خطة لترحيل بدو النقب من قراهم ومصادرة أراضيهم، عن طريق المفاوضات والإغراءات التي يرفضها البدو أو عن طريق القوة، فإسرائيل تعمل للاستيلاء على (650) ألف دونم إضافية من أراضي البدو، تمهيدا لإقامة مشاريع استيطانية عليها، لإسكان المهاجرين اليهود على هذه الأراضي.

في عام 2006، ونتيجة للأخطار التي يتعرض لها الجنود اليهود على الحدود اللبنانية، أوكلت القيادة العسكرية الإسرائيلية لكتيبة “حروب” الدرزية، حماية الجبهة الحدودية مع لبنان، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما صدرت أوامر عسكرية، لكتيبة “حروب” الدرزية : “لا تتحدثوا العربية”، وفي الحروب الإسرائيلية ضد الدول العربية والفلسطينيين، قتل (340) جنديا وضابطا درزيا، وأصيب (1200) منهم، ومؤخرا تقلص عدد الجنود والضباط الدروز الذين يخدمون في الجيش النظامي الإسرائيلي بنسبة 40%، “يديعوت 14/1/2006” ، ومع أن إسرائيل تستغل رفض عرب الداخل الخدمة في الجيش الإسرائيلي كذريعة لتبرير سياستها وممارستها العنصرية، والتمييز ضدهم وأصبحت هذه الذريعة لا تنطلي عليهم،  لأن الظلم والتمييز يلاحق حتى الذين يخدمون في الجيش من دروز وبدو وغيرهم، فالبطالة منتشرة بين البدو والدروز على حد سواء، كما أن عشرات آلاف الدونمات  من أراضي قرى الجليل والكرمل التابعة لمواطنين دروز تم مصادرتها، فالدروز والبدو يعاملون كباقي المواطنين العرب  من حيث التمييز في حقوقهم ويخدمون ويقتلون كاليهود من حيث الواجبات.

لقد لوحظ مؤخرا اتساع رفض الخدمة العسكرية بين الشبان الدروز، إذ وصل هذا التراجع الى 40%، ويهرب من الجيش شهريا نحو (60) جنديا، فسكرتير لجنة المبادرة الدرزية  العربية جهاد سعد قال بأن الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، جلبت العار للدروز، وقال صقر نفاع من قرية بيت جن الدرزية وأحد الرافضين للخدمة في الجيش الإسرائيلي : لا نريد أن نكون جزءا من الإرهاب العسكري الإسرائيلي ضد أبناء أمتنا فنحن عرب وفلسطينيون، وبتاريخ 14/11/2007، تحرر من السجن العسكري الإسرائيلي شابان درزيان هما : برهان ومزيد أبو زيد، من مدينة شفا عمرو، تاركين وراءهما (30) شابا درزيا في السجن من رافضي الخدمة، والشابان هما : نجل وابن شقيقة هاني أبو زيد عضو الهيئة القطرية لميثاق “المعروفين الأحرار”، هذه الهيئة التي تكافح من أجل إلغاء قانون خدمة العلم، المفروض على أبناء الطائفة الدرزية العربية، فهم يفضلون السجن على الخدمة في الجيش الإسرائيلي، فقد أقام الدروز العرب في إسرائيل عدة جمعيات ولجانا درزية، مثل “المبادرة الدرزية” و “المعروفين الأحرار”، ولجانا أخرى، يعقدون المؤتمرات، ضد الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وأحد هذه المؤتمرات عقد في العاصمة الأردنية قبل سنوات، بمشاركة القائد الدرزي وليد جنبلاط، وغيره من أقطاب دروز الأردن وسورية ولبنان، كما أنه تم جمع عشرة آلاف توقيع من قبل دروز الداخل، يطالبون في عرائضهم إلغاء قانون فرض الخدمة العسكرية عليهم.

إن تطبيق قانون التجنيد الإجباري المفروض على الدروز ومحاولة تجنيد البدو وآخرين، هو حلم إسرائيلي لترويض عرب الداخل، لصهرهم وتذويب هويتهم الوطنية، واختبار إسرائيلي لمدى “ولائهم للدولة”، وإذا كان المواطنون العرب، ومن أبناء الطائفة الدرزية العربية، يعانون من سياسة الظلم والتمييز العنصري، فإن بدو النقب يواجهون وضعا أسوأ من “الابرتهايد”، بل أنهم يشعرون بأنهم مثل الهنود الحمر يعيشون وسط أوضاع مزرية، وفقر مدقع، وأصبح بدو النقب على حافة الانفجار، وتوجهوا بشكوى إلى الأمم المتحدة، لكن دون فائدة ولهذه الأسباب وغيرها مع أنها غير مبررة  يلجأون للخدمة العسكرية من أجل العيش بعد مصادرة أراضيهم وتفشي البطالة في صفوفهم وتجويعهم، كما أنهم لا يشعرون بأنهم جزء من دولة إسرائيل، وفي محاولة جديدة، تحاول إسرائيل فرض الخدمة المدنية على عرب الداخل بدلا من العسكرية والتي يرفضها قادة فلسطينيي الداخل، ويعتبرون  هذا المشروع خداعا وتضليلاً، وشكل آخر من الخدمة العسكرية، تمهيدا لتطبيق وفرض خدمة العلم على المواطنين العرب في إسرائيل، فلم تبق سياسات الحكومات الإسرائيلية، أمام عرب الداخل طريقا سوى استمرار نضالهم وكشفهم لحقيقة ديمقراطية إسرائيل، وادعائها بأنها دولة قانون.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات زائرة

دار الجليل للنشر: العرب الدروز في اسرائيل

دار الجليل للنشر والدراسات و الأبحاث الفلسطينية

احصائية عن

الدروز في إسرائيل

  1. عددهم (120) ألف نسمة عام 2007 ومن المتوقع أن يصل (175) ألف نسمة عام (2030) وفقاً لتقرير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الذي نشر عشية الاحتفال بعيد النبي شعيب.

  2. يشكل الدروز 1.7% من سكان إسرائيل و8.3% من الأقلية العربية.

  3. يسكن الدروز في منطقتين.  الأولى شمال إسرائيل حيث يعيش 81% منهم والثانية منطقة حيفا التي يقطن فيها 19%.

يلاحظ أن المواطنين الدروز يسكنون في بلدات ومدن يشكلون نسبة كبيرة وهناك 12 تجمعاً سكانياً تبلغ فيه نسبة الدروز 90% وفقاً لهذه الإحصاءات.


25/3/2007

العرب الدروز في اسرائيل

كان من الطبيعي، بعد فرض التجنيد الإلزامي على الشباب العرب الدروز، أن يكون للدروز دور بارز في التصدي للمؤامرة فقامت حركة مقاومة قمعتها السلطة بالحديد والنار، وتعرض قادتها للتهديد بالتصفية الجسدية في حال متابعة نشاطهم. وكان من أبرزهم الشيخ فرهود فرهود رئيس لجنة المبادرة الدرزية لاحقاً. وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات انطلقت مجموعة من الشباب ترفع شعار مقاومة التجنيد وتشكلت “لجنة المبادرة الدرزية” في آذار 1972 وترأسها الشيخ فرهود. في حين كان العشرات يقبعون في السجون لرفضهم الخدمة العسكرية ومن بينهم كان المحامي سعيد نفاع والشاعر سليمان دغش والسيد جمال فرهود إبن الشيخ فرهود فرهود.

سنة 1977 انضمت اللجنة بتأثير أعضائها الشيوعيين إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ونشطت في هذا الإطار، ثم ما لبثت أن دبت الخلافات في صفوفها حول آليات العمل واستقلاليتها، وبلغت ذروتها في مطلع التسعينيات بحيث تعطل عملها واقتصر على إصدار البيانات الصحفية بين الحين والآخر.

في أواسط التسعينيات تشُكّل حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” ، وبدت آفاق العمل القومي أكثر وضوحاً وصار الصف الوطني القومي هو فتحة الأمل، وخصوصا في ظل الدعوة إلى اعتماد الدافع القومي الوطني أساسا للرفض، وعدم قصر ذلك على الأسباب الضميرية. وذلك للتمييز بين رفض الدروز للخدمة العسكرية من منطلقات قومية وبين الرفض لأسباب ضميرية كما هو الحال مع رافضي الخدمة من بين الشباب اليهود التقدميين. وكان لا بدّ من الحسم فحسمت الأمور وخرج من صفوف “لجنة المبادرة” الغالبية الساحقة من أعضائها، وانقسم الباقون على أنفسهم لاحقاً، فالشيوعيون ظلوا تحت اسم ” لجنة المبادرة الدرزية ” وأبرزهم الكاتب محمد نفاع سكرتير الحزب الشيوعي والشاعر نايف سليم وجهاد سعد الذي انتخب سكرتيراً لها. واتخذ الآخرون اسم “حركة المبادرة الدرزية” أبرزهم الشيخ جمال معدي رئيس اللجنة السابق.

وانطلق التيار القومي بطريق تجديدية تحديثية مشكلاً “ميثاق المعروفيين الاحرار“،الذي يرأسه اليوم المحامي سعيد نفاع، مؤكداً على رفض الخدمة وانقاذ العرب الدروز من أوزارها وعودتهم إلى حضن شعبهم باعتبار أنه حق قومي ووطني وإنساني، وتوج انطلاقته بلقاء التواصل القومي ألأول في عمّان / 2001 مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” برئاسة وليد جنبلاط، مخترقاً الحصار الذي فرضته المؤسسة الصهيونية على العرب الدروز عامة وقواهم الوطنية القومية خاصة، وفي أعقاب اللقاء اعلن مشايخ الدروز في لبنان ومعهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن دعوتهم لدروز فلسطين لرفض الخدمة في الجيش الاسرائيلي.

ومع تنامي ظاهرة رفض الخدمة القسرية المفروضة على الشباب العرب الدروز بحيث اضطرت معها لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أن تضع هذه الظاهرة على جدول أعمالها في منتصف عام 2004، في ظل تعتيم إعلامي إسرائيلي على ظاهرة الرفض، تعرض ميثاق المعروفيين الأحرار برئاسة المحامي سعيد نفاع وكذلك التجمع الوطني الديمقراطي ود. عزمي بشارة إلى التحريض عليهم في التصريحات الإعلامية وصلت حد المطالبة بالترحيل، بذريعة أن هنالك دولاً معادية ومنظمات ارهابية معادية وراء تنامي ظاهرة الرفض.

أبو فاعور: الزيارة وضعت المؤسسة الصهيونية في مأزق

رجال الدين الدروز يتحدّون الاحتلال
ويشاركون في مناسبة دينية في سوريا

خرق رجال الدين العرب الدروز من ابناء الداخل الفلسطيني امس، الحصار الذي تفرضه عليهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي، وتحدوا قرار المحكمة الاسرائيلية العليا التي لا تزال ترفض حتى اللحظة، السماح لهم بالتواصل مع ابناء امتهم في البلدان العربية، حين شارك وفد ضم قرابة 107 منهم برئاسة الشيخ علي المعدي، في مراسم زيارة النبي هابيل الذي يقع على هضاب جبل قاسيون في سوريا.

يأتي ذلك بناء على قرار من “لجنة التواصل القومي” التي انبثقت عن “ميثاق المعروفيين الاحرار” الذي يتولى بدوره التنسيق مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان من أجل رفض التجنيد الاجباري في جيش الاحتلال وتأكيد الهوية القومية لابناء الداخل المحتل.

وتعتبر هذه الزيارة التي كانت تقليدا مذهبيا لدى الدروز في اول يوم جمعة من ايلول من كل سنة، الاولى من نوعها بعد انقطاع دام 57 عاما، اي منذ قيام دولة اسرائيل. وهي وضعت حدا للمماطلات الاسرائيلية بالاضافة الى انها شكلت تحديا لسلطات الاحتلال كونها تمت عبر الحدود الاردنية، فيما كانت السلطات الصهيونية تصر على ان تحصل عن طريق الجولان المحتل.

وكان الوفد قد وصل الى الحدود الاردنية ـ السورية حيث كان في استقباله ممثلون عن وزير الاوقاف السوري.

أبو فاعور

وقال النائب وائل ابو فاعور “ان ما حصل امس يؤكد بشكل واضح ان الصدام بين الشخصيات الوطنية من ابناء الداخل الفلسطيني والمؤسسة الصهيونية قد وصل الى حده الاقصى، وذلك بعد دخول رجال الدين بشكل مباشر على خط مقارعة سلطات الاحتلال وتحدي قراراتها”.

ورأى “ان الخروج من الداخل الفلسطيني هو اول معركة على خلفية قومية يخوضها المستوى الديني ضد سلطات الاحتلال”، متوقعا ان “يكون لهذه الخطوة ارتداداتها الكبيرة في الداخل، خصوصا ان اسرائيل اشترطت ان يكون المرور عبر خط الجولان، الامر الذي رفضه رجال الدين الدروز الذين دخلوا من الحدود الدولية ومن دون موافقة مسبقة”.

وقال: “هذه الخطوة محطة جديدة من محطات المعركة التي يخوضها الوطنيون الدروز ضد سلطات الاحتلال الاسرائيلي”، معربا عن اعتقاده “أن الزيارة وضعت المؤسسة الصهيونية في مأزق كبير، بحيث انها مضطرة لمحاكمة كل هؤلاء، بينما ستقود هذه المحاكمة الى تعميق الصراع وتقوية موقف الوطنيين على المستويين الديني والسياسية، وهذا ما سينعكس ايجابا على حركتهم من اجل رفض التجنيد الاجباري”.

وتمنى ابو فاعور “ان تتجلى الخطوة اللاحقة بزيارة لبنان المقاومة لان هذا هو قرارنا وقرار الوطنيين الدروز من ابناء الداخل الفلسطيني”.


الدروز في اسرائيل …عرب في الحقوق … يهود في الواجبات

الدروز في إسرائيل وأزمة الهوية المتفاقمة

صالح النعامي

لشدة ما ألم به انفجر باكياً في مركز الشرطة بعد أن اقتيد إليه مكبلاً بالسلاسل. في الطريق من البار وحتى المركز باءت كل محاولته للاستفسار من الشرطي الذي ألقى القبض عليه عن الأسباب التي دفعته للإقدام على ما مثل هذا الإجراء ضده.

الشرطي أبلغ رؤساءه أنه ألقى القبض على هذا الشاب بعد أن سمعه يتحدث في هاتفه النقال باللغة العربية، فظن أنه فدائي فلسطيني يعتزم تفجير نفسه في نزلاء البار، فألقى القبض عليه للتحقيق معه. سرعان ما أطلق سراح هذا الشاب ” العربي “، بعد أن تبين أنه قائد لأحد أكثر ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي نخبوية.

هذا ما حدث في ايلول من العام الماضي، في مدينة ” نهاريا “، شمال اسرائيل، للعقيد عماد فارس، الدرزي، الذي يقود لواء ” جفعاتي “. هذا اللواء الذي أخذ على نفسه قمع الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة. فعندما تنقل وسائل الاعلام خبر عملية اقتحام، أو قتل ، أو تدمير للمنازل، قام بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، فبشكل تلقائي يعرف أن لواء ” جفعاتي “، بقيادة العقيد عماد فارس، هو الذي نفذها.

فهذا الشاب الذي تجاوز بقليل سن السادسة وثلاثين، لم تغفر حقيقة خدمته في صفوف الجيش الإسرائيلي ثمانية عشر عاما ً حتى الآن، فيقاد الى مخفر الشرطة لكونه تلفظ تلفظ بكلمات بالعربية في مكان كل من يتحدث فيه العربية يثير الشبهات.

هذا أحد أعراض أزمة الهوية المتفاقمة التي يعيشها آلاف العرب الفلسطينيين من أبناء الطائفة الدرزية في الدولة العبرية. فمن ناحية يؤدي الدروز كل ” الواجبات “، التي يؤديها اليهود لدولة إسرائيل، وعلى رأسها الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي مع كل ما يقتضيه ذلك من التصادم مع أبناء شبعهم، ومن ناحية ثانية تتعامل الدولة العبرية مع الدروز كما تتعامل مع بقية العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر في كل ما يتعلق ب ” حقوق المواطنة “، مع كل ما يعنيه هذا من اجحاف على كل المستويات.

وقد بدأ أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل يشعرون أن خدمتهم في الجيش الإسرائيلي، وهلاك المئات منهم في الحروب التي خاضتها إسرائيل لم يقنع دائرة صنع القرار في الدولة العبرية بانصافهم ومساواتهم على الأقل باليهود الذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، من أمثال أتباع التيار الديني الأرثوذكسي.

إزاء هذا الواقع فأن الكثيرين من المثقفين الدروز أخذوا ينادون علناً برفض الخدمة الاجبارية في الجيش الاسرائيلي وحل إشكالية الهوية القومية للدروز في إسرائيل بإعادة الالتحام بالبعد القومي العربي والوطني الفلسطيني، لدرجة أن حسين عباس، هو درزي خدم في الجيش الإسرائيلي ثلاثين عاماً، حتى حصل على رتبة عميد يقول ” أن ممارسة الاجراءات العنصرية ضد الدروز جعلتني أشعر بعد هذه الخدمة الطويلة في الجيش الإسرائيلي أني عربي رغم أنفي، ولذا فأني لن أجعل أياً من أبنائي يخدم في هذا الجيش مهما كان الثمن “.

ونحن سنحاول تسليط الأضواء على الأوضاع التي يحياها الدروز داخل إسرائيل، والتناقضات التي يعيشونها والصور التي تأخذها أزمة الهوية القومية لديهم، والتي وصفها أحد أدبائهم بأنها الأقسى في العالم بأسره.

جذور الأزمة:

في العام 1956 أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن غورويون قراراً بصفته وزيراً للدفاع يلزم أبناء الطائفة الدرزية بالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت والشباب الدرزي يخدم في معظم وحدات الجيش الإسرائيلي المقاتلة. فلماذا وافق الدروز على دفع هذه الضريبة الدموية، وكيف استطاعت إسرائيل أن تقنع الدروز بعقد حلف الدم هذا معها؟.

يقول سليمان الناطور، وهو كاتب وأديب درزي من ذوي التوجهات الوطنية والعروبية ” أن هذا يعود لكون الدروز اقلية هامشية، وقد أعتقد قادتها التقليديون أن هذا يتطلب منهم البحث عن جهة أجنبية تمنحهم الحماية من أجل البقاء”. ويضيف الناطور ” أن الخلافات المذهبية بين الفلسطينيين في ذلك الوقت لعبت دوراً كبيراً في خلق هذا الواقع، فالطائفة الدرزية هي طائفية مذهبية صغيرة تعيش في وسط إسلامي كبير لم يكن يرضى عن طقوسها وعاداتها الدينية، الأمر الذي تولد عن احتكاكات شعر الدروز على أثرها، بحاجة الى من يدعمهم في مواجهة الأغلبية الاسلامية“.

ويواصل الناطور ” أن أقطاب الحركة الصهيونية فطنوا الى حقيقة الخلافات المذهبية بين الدروز وباقي العرب الفلسطينيين، فأتصلوا بهم من أجل تعميق هذه الخلافات وتشعيبها وأقاموا معهم علاقات حميمة، وقد برز من بين القادة الصهاينة في هذا المجال” أبا حوشن “،رئيس بلدية حيفا، في ذلك الوقت الذي أقنع الكثيرين من الدروز بالتعاون مع المنظمات الصهيونية العسكرية قبل الإعلان عن الدولة العبرية وخصوصاً ” الهاجناة “.

وبعد إقامة الدولة العبرية، صادرت الحكومة الإسرائيلية معظم الأراضي التي تعود للدروز، فحرموا من مصدر رزقهم الوحيد: الزراعة، وبذلك وجد الدروز في الخدمة في الجيش الإسرائيلي مصدراً للرزق ، حتى أن الكثيرين من القيادات الدرزية قد وقعت في العام 1955على عريضة تطالب الحكومة الإسرائيلية بفرض الخدمة الإجبارية على الدروز، وهذا ما كان في العام الثاني. وكما يقول الصحافي الدرزي هشام نفاع فقد أدت خدمة الدروز في الجيش الاسرائيلي لعشرات السنين الى فقدان معظمهم للشعور بالانتماء للامة العربية والشعب الفلسطيني.

منهج تربوي خاص

عملت الدولة العبرية على قتل انتماء الدروز للعروبة والشعب الفلسطيني. فهم لا يعتبرون أن الدروز عرباً ولا فلسطينيين، وقد تواطأت قيادة الدروز التقليدية مع الدولة العبرية في ذلك. واصبحت القيادات الدرزية تشدد على أن الدروز اسرائيليين وكفى. لكن لم تقتصر جهود الصهاينة من أجل سلخ الدروز نهائيا عن قوميتهم العربية على التأثير فقط على القيادات التقليدية، بل قاموا باعداد خطة منهجية لقتل روح الانتماء بأسس تربوية محددة الأهداف، فألزموا الطلاب الدروز بتلقي مناهج تربوية خاصة، غير تلك التي يتلقاها بقية الطلاب العرب.

وكما يضيف الصحافي هشام نفاع فأن هذه المناهج تهدف الى خلق الشعور لدى الطالب الدرزي أنه ينتمي الى طائفة مستقلة ولا يربطها بالعرب والفلسطينيين أي رابط. فقد درس هؤلاء الطلاب التاريخ الدرزي الذي يركز بشكل خاص على العلاقة التاريخية الخاصة بين الدروز ودولة اسرائيل.

ومع أن العربية لغة الدروز، فقد درسوهم بما يسمى بالأدب الدرزي، حيث كانوا يقدمون الأديب والشاعر شكيب أرسلان على أنه أديب درزي فقط، وبالرغم من أنه أمير البيان العربي في العصر الحديث كما يقول نفاع، وكل هذا من أجل تعميق الشعور باستقلالية الهوية الدرزية. ويواصل نفاع قائلاً ” لقد وصل الاستخفاف بوعي الدروز الى درجة أن أعدوا لهم مناهج خاصة بالعلوم والطبيعة، فتجد: ” كيمياء الدروز”، و” فيزياء للدروز” …الخ.

ويقول نكد نكد، عضو في “لجنة المبادرة العربية الدرزية”، ، وهي أهم المنظمات الدرزية التي تطالب بالغاء الخدمة العسكرية الالزامية على الشبان الدروز إن “وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تقوم عمليًا بتجهيز الدروز ليكونوا جزءًا من الجيش. ومنذ عشرين عامًا تفرض الوزارة خطة تعليمية تطلق عليها “المنهاج التعليمي الدرزي”، مضامينها عبارة عن كمية من المعلومات بدون مضمون مفيد. فعلى سبيل المثال يعلمون الأولاد ما يسمى بـ”التقاليد الدرزية”، معظم الحقائق التي يتم عرضها خلال دروس هذه المادة تعتبر تزييفـًا للتاريخ. كذلك لم تتردد الدولة نفسها في التدخل في قضايا دينية، حيث ألغت أعياد مسلمة احتفل بها الدروز، واخترعت أعياداً جديدة خاصة بالدروز“.

الدروز: مقاولو الأعمال القذرة

تفرض الخدمة الإلزامية على جميع الشبان الدرزي، باستثناء الذين تفرغوا للعبادة. وبعد انقضاء الخدمة الالزامية التي تمتد الى ثلاث سنوات، يواصل معظم الشباب الدرزي لدوافع اقتصادية الخدمة في الجيش.
ويخدم الدروز بشكل خاص في ألوية المشاة المختارة المقاتلة
.

وقد وصل عدد كبير منهم نسبياً الى رتب عالية في الجيش، ويعتبر ارفع ضابط درزي في الجيش الإسرائيلي هو الجنرال يوسف مشلف، منسق شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة في وزارة الدفاع الاسرائيلية وقد سبق له أن شغل منصب قائد الجبهة الداخلية.

والى جانب الخدمة في الجيش، ينخرط الدروز في افرع الشرطة الاسرائيلية المختلفة، وخصوصا في شرطة ” حرس الحدود”، حيث أن درزيا يقود هذه الشرطة حاليا، وهو الجنرال حسين فارس.

ولزيادة الشعور بالكراهية والحقد المتبادل بين الدروز وبقية أبناء الشعب الفلسطيني، فقد تم استخدام الكثير من الشباب الدروزي في الخدمة في هذا الفرع من افرع الشرطة الاسرائيلية، حيث أن شرطة ” حرس الحدود “، كانت ومازال لها الباع الطولى في قمع الفلسطينيين، حيث تنص التعليمات الصادرة لأفراد ” حرس الحدود “، على التعامل بشكل مهين وحتى سادي مع الفلسطينيين.

ويرى الشيخ جمال معدي رئيس لجنة المبادرة الدرزية ان هدف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كان واضحا وهو توجيه نقمة الجماهير الفلسطينية الى غير عنوانها الصحيح، حيث تولد الانطباع أن الجندي الدرزي يقوم بالأعمال القذرة عبر أبراز الممارسات غير الأخلاقية لهؤلاء الجنود بأنهم ينفذون تعليمات وسياسة الحكومة الإسرائيلية.

اللافت للنظر أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تستعين بخدمات الدروز في المحاولات لتجنيد عملاء لها من بين الفلسطينيين، إلى جانب قيامهم بالتجسس على الدولة العربية.

ففي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي أصدر الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بياناً أكدوا فيه أن عدداً من الممرضين الدروز الذين يعملون في السجون يربطون استعدادهم لتقديم الخدمات الطبية للمرضى من الأسرى وبين موافقة هؤلاء على التعاون مع المخابرات الإسرائيلية بحيث يتجسسوا على أخوانهم من قادة الأسرى. الى جانب ذلك فأن عدداً من الدروز الذي يعملون على المعابر الحدودية التي تفصل الضفة الغربية وقطاع غزة عن إسرائيل يساومون الفلسطينيين على منحهم التصاريح اللازمة لدخول الدولة العبرية بحيث يتم ربط خدمة منح التصاريح بالموافقة على التعامل مع المخابرات الإسرائيلية.

الممارسات المشينة للجنود الدروز ضد اخوانهم من فلسطينيي الضفة الغربية دفعت حركات المقاومة الفلسطينية الى حد التهديد بتنفيذ عمليات استشهادية في قلب التجمعات السكانية الدرزية.

أما التجسس على الدول العربية وتنظيم شبكات تجسس فيها فيعتبر مثال عزام عزام المعتقل في مصر أحد أمثلتها.

” بيت جن “…… مثال الإجحاف الكبير

لكن التضحية بالإنتماء للعروبة لم يقنع قادة الدولة العبرية باستثناء الدروز من سياسة التمييز العنصري التي تمارسها ضد بقية الفلسطينيين داخل حدود 48. ويؤكد نزيه خير سكرتير اتحاد الكتاب العرب في إسرائيل وهو درزي أن إسرائيل قامت بمصادرة 70% من الأراضي التي يملكها الدروز، وأقامت عليها كيبتوتسات ومستوطنات زراعية لليهود. ويكاد يجمع قادة ومثقفو الطائفة الدرزية على ذكر ما يحدث الآن لقرية ” بيت جن “، وهي القرية الدرزية التي فقدت أكبر عدد من أبنائها في حروب إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين، حيث أن وزارة الاسكان الإسرائيلية، صادرت جميع الأراضي المحيطة بالقرية بحجة أنها تقع ضمن محميات طبيعية ومنعت بذلك أي فرصة لإستغلال هذا الأراضي بالزراعة والإسكان، حيث تعاني الأزواج الشابة في هذه القرية من ضائقة سكن خانقة، وفي مقابل ذلك يقول نفاع وهو من ” بيت جن “، فأن القرى اليهودية تتوسع في كل اتجاه دون أن يعترض على ذلك أحد. ويلفت الشيخ جمال معدي الأنظار الى حقيقة أن هناك بوناً شاسعاً بين معدل الدخل السنوي لليهود والدروز. فمعدل دخل الفرد الشهري في بلدة ” معلوت ” اليهودية يصل الى أثني عشر الف شيكلاً (الفان وثمانمائة دولار )، بينما لا يتجاوز الالفي شيكل لدى جارتها الدرزية ” حورفيش “.

ويقول جهاد سعد، من قادة “لجنة المبادرة العربية الدرزية” “إنني أشرح للدروز أن الادعاء الإسرائيلي بأنهم سيحصلون على حقوق أكثر من غيرهم إذا خدموا في الجيش غير صحيحة. نعرف أن هناك قرى عربية في إسرائيل لا يخدم أبناؤها في الجيش الإسرائيلي وتعيش أوضاعًا اجتماعية واقتصادية أفضل بكثير من القرى الدرزية“.

ويقول نهاد ملحم، عضو حركة ” المعروفيون الأحرار “، وهي حركة تناضل ضد الخدمة الاجبارية للشبان الدروز من قرية كفر ياسيف: “إن المشكلة المركزية هي إقناع الشبان بأنه يمكن التحرر من الاتكال على الجيش، إذ من الصعب إقناع أولئك الذين يعتمدون على الجيش كمصدر رزقهم بذلك، دون توفير بدائل أخرى.

يتوجب احداث التغيير عبر التربية. علينا أن نعلم أولادنا بأن يختاروا الدراسة الأكاديمية بدل الخدمة العسكرية وتشجيعهم على عدم الاتكال اقتصاديًا على الجيش.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات وطنية

انبعاث الفينيق الفلسطيني

جريدة الرأي 21.5.2011

حسن حجازي الفلسطيني المقيم في سوريا لم ينتظر تأشيرة دخول ولم يستأذن الغزاة أن يمدوا له يد العون فيسمحوا له بزيارة يافا موطن الآباء و الأجداد الذين خرجوا ذات يوم ضاقت كل بقاع الدنيا على مشروع جهنمي وشاءت أقدارنا إلا أن نكون نحن الضحية، فأتت شياطين الدنيا لتبني دولتها على أرضنا , ومنذ ذلك الزمن الرديء إلى هذا الزمن الرديء بقيت تلك الليلة العاصفة السوداء و الأوراق الخريفية وذاك النعيق يضج بها نفق الذاكرة يذكرنا بأننا خرجنا ذات يوم حتى تهدأ العاصفة ذات حين أو بعد حين يتنفس فيه سعدنا وصبحنا وربيعنا فإننا:

سنرجع مهما يمر الزمان

و تنأى المسافات ما بيننا

لم يكن طائر الفينيق يوما وهو يرزح تحت وطأة عمره الألفي حسب الأسطورة ليغيب عن ذهنه بأنه ذاهب إلى الموت . بل الموت يسعى إليه في حتمية عناق مرتقب وهو يجوب الأصقاع في تناوب جدلي لمسألة الحياة والموت، يأخذ من اعشاب الشرق العطرة يبنى عشه في طية غصن لشجرة وارفه، ذات صباح أتته شرارة قدرية أشعلته ،فعندما غابت الألسنة وخمدت الحياة وتراكم الرماد بقيت جمرة صغيرة في قلب الرماد تسللت منها شرارة خرج منها طائر فينيق جديد لا علم له بمواطن العذابات الغابرة ومحطاتها وديانها وروابيها وأشجارها وسهولها لكنه تعلم من جمر الرماد ورائحة الموت القريب كيف يكون الشوق والتوق إلى الحياة والعشق والأرض والشجر.

لم يكن الأحد 15/5/2011 يوما طبيعيا فالرهان كان بعد ثلاثة وستين عاما على النكبة ويوم النكبة قد مضى بعيدا وقد لملم جراحه وغادر باحثا في كل اتجاهات الأرض عن ملجأ للانتظار لغد أو بعد غد فذلك الجيل قد مضى أو ينتظر ، اما هذه أسراب الفينيق التي أحيت يوم الأحد عرسهـــــا

فغادرت إلى هناك ، إلى خلف الأسلاك الشائكة وحدائق الألغام وحدود الموت انطلقت لتعاقر العشق وتنثر الشوق قبلات للشمس والقمر والسحب والتراب وأحلام قادمة من الماضي همست بها أمسيات مقمرات حكايــــا

الجدات، زفرات وآهات لأيام موجعة عاقر فيها جيل فيها كــــــل

صنوف القهر والعذابات والتشريد والحبس والمطاردات و…

بعد ثلاثة وستين عاما تنبثق طيور الفينيق من جديد تتدافع ارتالا ارتالا

إلى حريتها والى أرضها وعرضها والى الحكايا النائحـــة.

تدافعت من كل أقطاب محيط الطوق وكان اللقاء حميميا حين وصلت طلائع العائدين إلى ذرى الجولان السوري المحتل ودخلوا إلى ساحة قرية مجدل شمس الصامدة الكاظمة على جرحها وغيظها فكان العناق سرمديا امتزج الدمع بأهازيج النصر وزغاريد الترحاب وبيارق خفقت تنشد للنصر وللعودة وللدولة القادمة .

لقد كانت وقائع حلم تجسد من وعاء السبات والنوم إلى أفاق المحسوس والملموس في ذاك اليوم الذي تماها فيه الحلم والتمني في الواقع والحاضر وكان ما كان من سيناريو للانتصار رسمته جحافل أسراب الفينيق ملحمة للتحدي تخيف أولئك القابعين على أرضنا وتقض مضاجعهم وتزعزع أركان الدولة المسخ وتنبئ من خرجوا ذات يوم حين عصف ذاك المشروع الصهيوني البغيض بأننا مهما بلغ الثمن وطال الزمن قادمون ….بل عائدون…عائدون….عائدون

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات وطنية

مطلوب مبادرات لحقن الدم السوري

د. تيسير أبو عاصي

بداية وفي كل حين نقف خاشعين في حضرة أرواح الشهداء نترحم عليهم ،هؤلاء الشهداء الذين سقطوا  في الوطن العربي عامة وفي سوريا مدار البحث بشكل خاص والذين ارووا بدمائهم ذاك الثرى الطيب الذي لطالما عرف دم الثوار طالبي الحرية فهو ذات الدم الذي أنشدناه مع احمد شوقي في غرة القرن العشرين:

دم الثوار تعرفه فرنسا                وتعرف انه نور وحق

نعم لقد خرجت فرنسا بفعل ذاك الدم وتلك الشهادات وأصبحت سوريا تقلب صفحات التاريخ مختالة بتجليات مجد ووجود، سيوف عزة وإباء وشمم ، أبواب عتيدة تصد الغزاة عن قلب دمشق النابض ومنها تسافر القلوب في كل الاتجاهات تقرأ العزة من قاسيون وغرة الشهباء في قلعتها وسيف حمص في خالدها وفيليب العربي وعبق التاريخ ترتديه هامة السويداء عمامة و صلاح الدين يحضن بقاع سوريا عربه وكرده ، وحضن أمية دفء غفوة لبردى والفرات يهدر باسم الله نصر ومنه فتح قريب والخابور يطير طربا وفرحا ، بحاضرة التاريخ سوريا والعاصي ينشد بنشوة إيقاع على رتم أغنية لناعورة تنام على عنينها عاشقة في حماه.

وأما درعا النازفة فزغاريد وأهازيج على حدى قوافل الاباه وصهيل خيلها.

هذه سوريا الوطن الذي ذادت دونه الأرواح والمهج ، الأطرش وهنانو والعظم والخراط والعلي قد سطروا الملاحم في تلك الربوع ليعلو النشيد ويندحر الغزاة ويرضع جيل حين يولد حب الوطن عربيا رقراقا صافيا ناصعا .

هذه سوريا التي أحببنا وعشقنا، لكم أخذتنا الأنظار إليها منارة علم وقبلة نظار وعمق عروبة وقلعة ممانعة وضمانة توازنات محلية و إقليمية معقدة

وبعد: فهذه شام الجرح والملاذ والعروبة وهذه الحالة السورية حيث أدمت القلوب تلك الأخبار التي تتراكض إلينا حزينة نتلقفها مجهشين فحزنها يحزننا وانكسارها يقض مضاجعنا واضطرابها يقلقنا ويربك استقرارنا وليس لنا ولها إلا أن نعلي النشيد أكثر فأكثر فهذه سوريا تستحق أن تقف كل الجماهير العربية وكل الجماهير المحبة للسلام وكل القوى والأطر مكونات المجتمع المدني التدخل بأوراق عمل ومبادرات لإزالة أي حاجز يحول دون اللقاء ودون الحوار الوطني الحقيقي الذي يجب أن يؤمه الجميع فالكل معني بوقف هدر الدماء وأظنها لغة الحوار الوطني الحقيقي في المتناول وليست مستحيلة ما بين أطراف المعادلة في سوريا الحبيبة وأظن اصطفاف الجماهير السورية خلف قيادتهم أمر حتمي بشهادة التاريخ و المصير لأن العروبة هي خيار سوريا و الممانعة هي خيار سوريا ومعقل النضال هو خيار سوريا ، الذي سطره الشعب السوري عبر سنوات النضال قيادةًً وشعباً ، وعلى هذه القلعة و الصخرة العتيدة ستتكسر كافة محاولات النيل من عروبة سوريا و ممانعتها و عزتها لتخرج من هذه الأزمة وتزول السحابة البغيضة بهمة الوفاء والأوفياء.

هي دعوة واستنهاض وبشكل خاص لمبادرات شعبيه أردنيه تدعو لها التنظيمات الحزبية الأردنية وهي التي تحتفظ بعلاقات احترام متبادل مع السلطات السورية والشعب السوري وذلك لا يعتبر تدخلا في شؤون داخليه ، بل واجباً قومياً يقتضيه موقع الأخوة.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter