Posted in نصوص ادبية

افق – خلجات ذاكرة

الرأي الاسبوعي 26 / 8 / 1998

كقرية رزينة, تنام هانئة , لمسات عليلة تحملها اماس قمرية تنثرها فوق احاديث السهر وحكايا الجدات وخفوت الصخب , قبل ان يرقد الليل عنما يلقي الكرى فعله الساحر , تنطفئ المصابيح تباعا وينسحب المتحلقون الى رقادهم ويبقى المساء يدون احلاما يرقب لحظ النجوم وابتراقها ويكمل تعداد مالم تتذكره اصابيع الصبية الممتدة من على الاسطح توخز الحلكة المضطربة , فينهي صوت محذرا, الا تعدوا النجوم حتى لا تكسو الثاليل الأيادي , يتوسد الحالمون آمالهم فيوقظهم الصباح ويغفو ما تبقى من الليل في سباته وتربت الشمس على اكتاف السكون فينهض الفياء بصخبه وينطلق المقبلون الى غدهم بفعل قوة الحياة.

كتلك القرية من حقنا ابناء الزرقاء ان ندون ذكرياتنا منذ ان شب فينا الصبا, واغتسلت اعين بمشروع مدينة كاملة فيها معسكر وقصر عتيق, اسقف منازلها متعاضدة تتواضع احتراما, تخرج اناس من بيوتها الى الارصفة ثائرة على انطوائية وفردية المساكن..

هذا ما تنطق به ذاكرة اجيال تلت جيل البدايات تبوح بمخزونها تعلقا بتراب الوطن مدنه واريافه وبواديه فلا بد ان نجد في كل محطة حكاية تستحق من اجلها الحياة , فالحديث في اسبوعية محلية لا ينكفئ الى ذاتية خاصة بل يرتقي من خصوصيته الى رحاب الوطن والاعتزاز بتاريخه .

وبعد فما زال في خبايا الذاكرة اولاد يتدافعون الى مدارسهم بكتبهم متأهبون لعام دراسي رسومه ” خمسة وثلاثون قرشا” يصطفون وينشدون للأردن . للعروبة منتصبو القامة , انتظارهم تمتد الى الامام منذئذ ما انفكت تلك العيون تسكن الافاق.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter
Posted in مقالات وطنية

سميح القاسم حللت اهلا

العرب اليوم 12 / 8 / 1998

قادم هو بل عائد ، نحن في لقاء دائم معه وعلى موعد ابدا ، عاش فينا بعناق ازلي ، هو التاريخ يبعث قبضته في عصرنا ، يرسلها انشودة مضمخة تسرد حكاية التتار والمغول ، تبشر بأرم من طراز جديد ، هو التاريخ يرصد كيف يعود الزمن ناصعا من قشور الغياب ” جسدي ينمو على كل الجهات فاشهدوني ها انا انفض اكفاني وآتي” .

حين تنطلق زفرة من قلب ام على اضلاع وليدها والطفل يقرضه الجوع في افريقيا ، وحين يغزو الفقر مستشرسا شعبا، وحين يسطر الظلم سيرة لا تعرفها سوى ابراج عاجية، يأتي سميح والتداعي يأخذنا الى صرخته : يا عدو الشمس لكن لن اساوم…

يسافر بنا الى عشقه المتفتق لقريته ، لوجعه الواقع ما بين المحيط الهادر والخليج الثائر، ظمئ في الشام هو وهي الكأس والصهباء وله في صنعاء والقاهرة وبغداد حكاية عشق ، وللذاكرة في عمان وفي والسلط مهد طفولة وفي الزرقاء حبل سرة ، لقد اتانا سميح القاسم كما هو دائما ” منتصب القامة مرفوع الهامة ” ، ” لا متسللا متخفيا لكن بما يتخيل الخيلاء ” اتانا عائدا قادما يعيد الى الاذهان حكايات واناشيد قبل ان تترهل الذاكرة وتعلو اصوات عليها فتندحر اوجاعنا وتذوب الجراح وهي ما فتئت تقطر دما ، اتانا بصوته الذي ما زال ينشد في كفر قاسم ليد ظلت تقاوم والذي ما انفك يصرخ في سماء العرب:

مجنون ليلى واحد بعذابه

وانا عذابي امــــة ليلاء

كل مرة نلتقي سميح القاسم يلبس الشعر المقاوم حلة جديدة ، السيوف ما زالت مشرعة فالنضال لم ينته ولم ترم البنادق ، تجهش الكلمات سرا عند خنساء فلسطين فدوى طوقان فكانها الاستغاثة ، رجوتك حزني اعز واقدس من ان يقال تنادى الصدى في كل الاصقاع.. وامهتصماه .

فلبى سميح ينبئنا حين بان كل الذين مضوا عائدون وكل الذين قضوا عائدون وان فلسطين اولا وان الله اكبر ، الله اكبر .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter