Posted in نصوص ادبية

قبل الانتحار

صوت الشعب 9 / 6 / 1989

كانت لحظة صمت, كل شيء قد انتهى , عجلة الزمن كادت تتوقف , رخص الثمين , اوراق صفراء تهطل , تتطاير في ارجاء الغابه الموحشة , بدأ الظلام يسدل جناحية , الكل مشدود , صمت يتدفق من كل صوب .

رجل او هكذا يبدو , ينتعل حذاء او شبه حذاء رباطة خيط ربط بغير احكام , اطرافه مدلاة , مقدمة الحذاء تفتقت عما بداخلها , ثياب رثة على اطرافها بقايا وحل بعض الزيوت وبقع اخرى , المتبقى من ازرارها ادخلت عراو كيفما اتفق , يظهر من جسم ذلك الرجل اكف مسودة وراس اشعت اجزاء اخرى ,وراس ابهام في مقدمة الحذاء يبان قليلا ثم يتراجع .

ذلك الرجل يقف مع الاخرين وتحت ابطه رغيف, يحدق في الجثه المضمخه , الى دم يتدفق من الفم ومن ثقب في قمة الراس هو اوسع من محيط رصاصة , ها هي اداة الجريمة , مسدس في اليد اليمنى للقتيل , ( لقد قتل نفسه ) هكذا استنتج الرجل الاشعث واكد الاخرون , ما زال الاشعث يرنو ربما الى اللاشيء يجذف في بحر الافتراضات والتساؤولات عله يرسو على اسباب الجريمة ويقف على دوافعها , اندفع بين الجموع المحتشدة بعفوية حتى اصبح في مواجهة مسرح الجريمة , في هذه الاثناء كان قد توقف عن مضغ لقمة اقتطعها من  الرغيف  الماثل تحت ابطه , هنا اكفهر وجهه وبدا اكثر عبووسا واشد حزنا , وكانه ينطق بارهاصات  الهزيمه , لقد ذهب تفكيره الى مصيره الذي يخاله يؤول ال مصير كهذا , استطرد متأملا  لربما دافع الجريمه فقر وعوز , نحن الفقراء تتشابه ظروفنا , ماكلنا ان وجد وملبسنا, وسادتنا ودثارنا , ليلنا وحلمنا , بساطتنا وحقدنا لا مندوحة ولا مناص من مصير مشترك , انه الفقر الذي ينخر العظم واللحم ويسلب الفرح .

ها هو حال المقتول يحاكي بلوته ياسا مطبقا وقناعه بعجز عن متابعة المسير , قتل وجودة وقرر  النهاية , هكذا فهم صاحبنا , وهكذا تهامس المحتشدون , نعم ان الفقر قاتل , والانتحار هنا قتل واع وسبق اصرار, في تطبيق قناعة , فقد يكون المقتول قد استنفذ كل وسيلة لكسب لقمة يقتات بها وصغاره , شعر بجنايه  ارتكبها بحق اطفال لم يعوا من عمرهم سوى البؤس والبرد والجوع , حتما انه كل مثلي طارقا ابوابا عدة فلم يدرك ضالته , وايضا اراق مثلي كل ماء الوجه على عتبات عده فلم يلق فرحا اوصدت بوجهه  كافة الابواب فكان الانتحار تحصيل حاصل وملاذ لابد منه , مسكين هو , لو اتيته قبل لحظات لقاسمته رغيفي , عله اسكت وحش الجوع الجائع بداخله واتى صغاره , قبل المساء منشرحا يحمل لهم ما يسكت جوعهم ايضا , الفقر ؟!؟! نعم قد يكون !!

لكن هل هو مستبعد ان تكون تلك صحوة ضمير؟ تانيب ينهش اللب لجريمة قام بها , انتهك عرضا اقتل نفسا طارده الضمير فحاكم نفسه نعم انه ليس فقيرا , مظهره وملبسه يقول هذا , انه ابن نعمه , ربطة العنق وبذلته الانيقة بقطعها الثلاث حذاءه الاسود الملتمع ذات المعالم الواضحه , حقا انه مرتكب جريمة , انتقم للحق ونفذ حكم العدالة بنفسه وقرر مصيرا كان مجهولا

تلفت صاحبنا حوله فاذا الناس قد انسلوا تباعا بعد حضور رجال الامن الذين عاينوا على الفور مسرح الجريمة , واخذوا الجثه ومضوا , استدار الرجال ساحبا ساقيه هو ايضا .

في صبيحة اليوم التالي , بعد ليلة مؤرقة قضاها في بيته العتيق , على احد الارصفة وعلى صفحات الصحف الاولى قرأ عنوانا بخط عريض واضح نبأ انتحار احد المواطنين استطلع الخبر من الذين كانوا يلتهمون بشغف تفاصيل الخبر تأكد ان هذا الرجل هو ذاته قتيل الامس , دار هرج ومرج , تحدث البعض جهرا والبعض همساء وقلة اكتفت بالصمت , اختلطت عبارات وكلمات , بعدها تضاءلت الاصوات رويدا رويدا حتى كادت تنطفىء هدأ الصخب , عادت عجلة الزمن الى دورانها , سعى الناس من جديد الى اعمالهم وجدالهم وتجارتهم , لم يبق من الحديث سو ذكرى موقعة انتحار , ذكرى قتيل رحل مبقيا اطيانه ذاتها وامواله ذاتها مع تراجع في تناميها كان ضحية ذلك ذاك الانسان ابتسم  صاحبنا ابتسامة لم تفصح عن اسنانه , ومضى ساعيا عن رغيف جديد .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter