Posted in مقالات وطنية

لهفــــي علــى سـوريــــا من ندم وعض أصابع

جريدة المجد 11/03/2013 ها قد شارفنا على نهايات العام الثاني لأحداث سـوريــــا و لا زالت الدماء الطاهرة تهدر بلا ثمن و تسفك بالمجان ، و مازال القتل البارد يجترح في أزقتها و على جنباتها ، وها هي المودة والرحمة توئد جهاراً نهاراً ، أما نحن فلقد ألفنا الحزنَ و اليأسَ وماكنة الأرقام تعمل بحقد ، تطوي الأحبة من كل البقاع بأرقام يعتادها السمع ، هكذا أصبح شبح الموت يلامس أطراف الوطن ورائحة القبور و العفن تلف القرى و المدن و الفضاء والطرقات.

هذه سـوريــــا ، قد فرغ التاريخ من بناء مداميكها الأخيرة ، رسم المجد لها أجمل لوحات الياسمين وقامات الحور و دفق الخابور والعاصي و الفراتَ و بردى ، الله أكبر تصدح بها مئذنة بني أمية وناقوس يدق رجعاً للصدى الآرامي في معلولا ، شموخ قاسيون وعناد قلاعها وأرضها وحدودها ونقاء عرضها ، دونت الكرامة اساطيراً منذ فجر التاريخ أبجديةً وحضارةً ومهداً للإنسانية و خيمة للملهوف و موئلاً للأحرار ومدرسة لكظم الغيظ و حصناً لدفع الظلم، نثر الجمال روعته اخضرارا ،ً زنبقا ً، دحنونا ،ً زقزقهً ، تغريداً ، حفيفاً و خريراً ، قدوداً و ترويدة لمال الشام ، عباءةً صوفيه ينثرها المعري وابن عربي ، بحور الشعر يحمل صدرها الحمداني إلى عجزها في عشق القباني، وحياضاً يذود عنها سيفها المسلول خالد يرفع بيرقاً في ساح الوغى تقتفيه خيولٌ مطهمة من الغوطة والسويداء وحلب وحماه وكل بقاع الحبيبة.

لهفي عليك سـوريــــا ، يا قلب العروبة الذي ما زال رغم كل الأنواء نابضاً ، لهفي على ملاذٍ اسكن واطعم والبس وحضن وأغاث وحمى كل من جارت عليه أوطانه و الآن يلثم جرحه ولم يتنكر لجراح من عزت عليه بقاع الأرض ، حملنا ألمنا الأبدي في فلسطين ، وأعيانا الجرح النازف في العراق، و ها أنت يا حبيبة أنينك يمزقنا ، يدمي القلب فينا، ويقتل أحلامنا، وتحتشد خناجر وأنصال طواغيت الأرض على أوداجك وعلى بريق الحياة في بساتينك وزيتونك وربوتك، قامة الجزيرة وشموخ الريان وبياض المحالج وتلك القلعة الأبية في حلب تتسامى اختيالاً وفيها التاريخ يمكث يرقب الذوق و الشعر و التقنية و صخب الحياة في أسواق حلب العتيقة وحديقة غناء يهلل فيها شيخ الحديقة أبو فراس الحمداني بكل الأنظار القادمة من كل جهات الأرض.

وااكل الشرفاء في سـوريــــا الحبيبة ، واكل من ضحوا ذوداً عن حياضها ، واكل من مضوا مضي الخالدين ، واكل من بقوا بقاء السنديان ، ماذا أخبركم عن سـوريــــا ، عن تلك العروس ، ماذا حل بحلمها وطرحتها و فرحتها ، وانتظارها طويلاً للزفة الدمشقية ورنين الذهب في زنديها ودبكة شيخانيه ، ورقصة ستي و زغرودة ، أخبركم كيف اقتتل الإخوة على لثمها و عناقها ، فعانقها النعيق و الغربان ،الدم و القتل ، الدمار والقنابل و نحيب الشجر و الحجر يستغيث مردداً قول الشاعر: ( لا تقتل قلبي مرتين على الأثر)

الأحبة في سـوريــــا الحبيبة: باسم الله وباسم العروبة وباسم سـوريــــا الحضارة والمجد و التاريخ نناشدكم بالتوقف عن تدمير سـوريــــا وقتل سـوريــــا و أن ترموا السلاح بعد مضي حوالي السنتين وان تنتبهوا بعد كل ذلك بأنها سـوريــــا  هي سـوريــــا ، هنا سوريا ، هنا المجد و التاريخ و العشق و العاصمة الأولى، هي الأم الحانية و الحضن الدافئ من وعثاء الرحيل، هي الباقية و كلكم ماضون ، هي سـوريــــا أمكم تناشدكم بعاطفة الأم و معاناة حملها ومخاضها وولادتها وسهرها و تسامحها: كفى قهراً وقهراً وقهراً ، تستحق هي بعد كل ذلك الجحيم والإرتكابات الشيطانية أن تعودوا و تفكروا فيها مرة واحدة قبل أن يأتي زمن لا ينفع فيه ندم ولا عض أصابع.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter

Author:

د. تيسير ابو عاصي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *