Posted in مقالات زائرة

السيد تيسير أبو حمدان: سلطان باشا الاطرش وثورة عام 1922

تيسير أبو حمدان

نشرت صحيفة الراي الزاهرة في عددها الصادر بتاريخ 15 ايار 98 مقالا للسيد شفيق عبيدات حول كتاب ( الدور الاردني في النضال العربي السوري ) للاستاذ محمود سعيد عبيدات ، استعرض فيه مساهمة الاردنيين في النضال العربي في منطقة بلاد الشام ابتداء من عام 1908 وحتى عام 1946 والتضحيات التي قدمها الشعب الاردني في سبيل عزة الوطن وتحريره من نير الاستعباد وظلم المحتل .

لقد وجدت ان ماعرضه السيد عبيدات عن ثورة سلطان باشا الاطرش ضد الفرنسيين عام 1922 يحتاج الى بعض التوضيح ، خدمة للحقيقة وانصافا للتاريخ حسب المقولة الثابتة : ان التاريخ تاريخان – تاريخ ما حدث فعلاً ، وتاريخ ما يروى ، ونحن لا نروي التاريخ ساعة وقوعه وانما نرويه بعد وقوعه !

لقد جاء في وصف ثورة عام 1922 ضد الفرنسييين انها كانت بسبب السياسة الفرنسية التي عملت على تقسيم الدروز الى فئتين  غير متكافئتين من حيث القوة والتأثير .

ومع ان السياسة الفرنسية في سوريا ولبنان بشكل عام وجبل العرب ( الدروز ) بشكل خاص ، تميزت بالبطش والاساءة الى الاهالي ، وبالاخص الوطنيين منهم الذين دفعهم انتماؤهم القومي الى المشاركة في الثورة العربية الكبرى ضد الاتراك ، وانطلق بهم اعتزازهم الوطني الى مقاومة الفرنسيين بعد معركة ميسلون ، الا ان السبب الرئيسي لثورة سلطان الاطرش الاولى كان بسبب انتهاك الفرنسيين للعادات والتقاليد الموروثة التي يفتخر بها العرب الدروز وبشكل خاص حماية الضيف واغاثة الضعيف ونجدة المستجير .

ادهم خنجر الصعبي ، رجل وطني من جنوبي لبنان ، تمرد على السلطات الفرنسية بعد ان تم اخماد ثورة قومه في جبل عامل لبنان عام 1920 ، وقد شارك في محاول اغتيال الجنرال غورو في 23 حزيران 1921 في منطقة القنيطرة السورية ، وقد قتل في هذه المحاولة احد الضباط الفرنسيين المرافقين للجنرال وكاد ان يقتل فيها غورو نفسه ، اذ اخترقت ملابسه عدة رصاصات ، ولان السلطات الفرنسية اصدرت بحقه حكم الاعدام ، لجأ الى الاردن ، ومنها توجه الى جبل العرب في 17 تموز 1922 للاحتماء بدار سلطان الاطرش .

ولان السلطات كانت تراقب تحركات ادهم ، وجد قوة فرنسية بانتظاره وقبل ان يصل دار سلطان في بلدة القريا ، فاعتقلته وساقته الى السويداء تمهيداً لنقله الى دمشق وكان سلطان حينذاك بعيدا عن بيته اذ كان في زيارة لبلدة ام الرمان .

اجارة المستجير عند بني معروف نوعان : اجارة الوجه وهو اللجوء الى دار المضيف مباشرة ، واجارة التشهيد وهي ان يعلن المستجير امام الناس انه متوجه الى دار فلان واستجارة ادهم كانت من النوع الثاني اذ كان يصيح وهو في طريقه الى الدار : ( انا بوجه السلطان ) ولهذا كان من الواجب والالتزام دفاع سلطان عن ضيفه ، والا لحق به العار وتناولته الالسن بالسوء .

لجأ سلطان الى كل الاساليب السلمية لانقاذ ضيفه وكتب الرسائل وارسل الوفود الى المستشار الفرنسي في السويداء والمندوب السامي لسوريا ولبنان في بيروت والى ابن عمه الامير سليم الاطرش حاكم الجبل ، ولما لم تثمر كل هذه الاتصالات والمحاولات قام سلطان ورفاقه بمحاصرة السويداء حتى لا يتمكن الفرنسيون من نقل ادهم خنجر الى دمشق ، وحصل صدام مسلح بين المجاهدين وبين القوات الفرنسية التي تعززت بقوة كبيرة من درعا فكانت معركة ( تل الحديد ) التي حقق فيها المجاهدون النصر المؤزر وقتل فيها ضباط وجنود فرنسيون وتم اسر عدد اخر منهم مما دفع بالسلطة ارسال ادهم الى دمشق بالطائرة ، وقد وصف هذه المعركة العديد من الكتاب والشعراء ، ومن قصيدة الشاعر القروي هذه الابيات :

خففت لنجدة العاني سريعا

غضوبا لو رآك الليث ريعا

وحولك من بني معروف جمع

بهم وبدونهم تفني الجموعا

الم يلبس عداك التنك درعا

فسلهم هل وقى لهم ضلوعا

وثبت الى سنام التنك وثبا

عجيبا علم النسر الوقوعا

فخر الجند فوق التنك صرعى

وخر التنك تحتهم صريعا

فيالها غارة لو لم تذعها

اعادينا لكذبنا المذيعا

اصدرت فرنسا حكماً بالاعدام على سلطان في 16 / 10 / 1922 ووزعت على قرى الجبل بياناً ملأته بالتهديد والوعيد ، واتهمت سلطان ورفاقه باللصوص وقطاع الطرق وجاء في اخر البيان : ( يا سكان الجبل ، انتم الذين لا تريدون خراب بلادكم ، ولا رمي نفوسكم الى عقاب ، احذروا ان تربطوا مقدرات قضيتكم بقضية سلطان الخاسرة ) . كما قامت الطائرات بتدمير منزله في بلدته القريا واخذت هذه الطائرات تطارده ورفاقه من مكان الى اخر .

ولان الاردن ومنذ تأسيس الامارة كان قبلة احرار العرب . وملجأ الرجال الوطنيين الذين يرون عزة الوطن  في استقلاله فقد لجأ سلطان واهله ورفاقه الى الاردن المضياف ، ونزلوا في ديار عشيرة بني حسن حيث لاقوا كل تكريم وترحيب ، وضربوا خيامهم في خربة رحاب ، وقد شارك بالترحيب بالمجاهدين جميع عشائر الاردن وفي مقدمتهم عشيرة بني صخر في كل مواقعها .

ومن الاردن ، وبعد ان وفد اليه عدد كبير من ابناء الجبل ، وبمشاركة العرب الدروز المقيمين بالاردن حينذاك اخذ سلطان ورفاقه بالاغارة على المراكز الفرنسية في كل من جبل العرب ودرعا وكانت تقع مصادمات عديدة تلحق الخسائر الجسيمة بالفرنسيين سواء في الافراد او المؤن او العتاد ومن هذه المصادمات اسقاط طائرة فرنسية مهاجمة وبالبنادق العادية .

بقي سلطان ورفاقه في الاردن معززين مكرمين حتى صدر العفو عنهم بتاريخ 4 نيسان 1923 فعاد الى الجبل وهو يحمل في نفسه اعمق تقدير واصدق عرفان للاردن قيادة وشعباً .

اما القول بان اكثرية الدروز في جبل العرب كانت الى جانب الفرنسيين فقول فيه مغالطة ، لان السلطة الفرنسية وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذلته ، ومن الاغراءات الكثيرة التي استعملتها بمنح الالقاب والمكاسب الشخصية فانها لم تتمكن من استمالة سوى عدد محدود من الرموز والزعماء الى جانبها ، كما تمكنت من الضغط على عدد اخر بالوعيد والتهديد وهؤلاء كانوا القلة ودليل فشل السياسة الفرنسية في جبل العرب وضعف تاثيرها وقلة عدد مناصرتهم هو التاييد الواسع والاستجابة الكاملة لثورة سلطان الاطرش الثانية 1925 الثورة العربية السورية التي كانت الخطوة الاساسية للاستقلال وانهاء الانتداب الفرنسي عام 1945 .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter

2 thoughts on “السيد تيسير أبو حمدان: سلطان باشا الاطرش وثورة عام 1922

  1. ولان الاردن
    (ومنذ تأسيس الامارة)
    كان قبلة احرار العرب . وملجأ الرجال الوطنيين الذين يرون عزة الوطن في استقلاله فقد لجأ سلطان واهله ورفاقه الى الاردن المضياف ، ونزلوا في ديار عشيرة بني حسن حيث لاقوا كل تكريم وترحيب ، وضربوا خيامهم في خربة رحاب ،

    بأمر من البريطانيين تم سجن مجموعة من شيوخ بني حسن من قبل الحكومة الموالية للبريطانيين بسب استقبالهم وحمايتهم للثوار السوريين وعلى رأسهم سلطان باشاالهاربين من الاستعمار الفرنسي.

    سلطان باشا ذكر في مذكراته التكريم الكبير الذي لقيه لدى عشائر بني حسن وحسن استقبالهم للثوار.

  2. الاخ العزيز ناشر هذا المقال المشرف …تحية صادقة وبعد طالعت الدنيا باجمعها بطولات ابناء عمومتنا بني معروف في ثورتهم ضد الاستعمار…وما اريد اضافته هنا هو ذاكرتنا المحلية نحن ابناء بني حسن التي ورثناها عن الاجداد …فعند نزول سلطان باشا في ديارنا جاء برفقته مجموعة من المجاهدين من الجبل …نقلت الينا الذاكرة منهم …حسين مرشد الذي اقام في قرية الدجنية الى الغرب من رحاب وحسن الاطرش الذي اقام الى الشرق من بلدة حيان المشرف في موضع يعرف الى اليوم باسم نقرة الاطرش كما نزل الى جوار رحاب من قبل منطقة المنشية المجاهد حمد البربور وغيرهم ….كما وصف لنا الادب الشعبي تحركات الثوار وترسخت اشعار صالح عمار الدرزي في ذاكرتهم ….اشكر كل من يهمه توثيق التاريخ لان من يقرا التاريخ ….يصنع التاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *