Posted in مقالات وطنية

ممدوح عدوان .. حاضر وان مضى

المجد 17\1\2005

اكثر ما يميزه في تلك الليلة انه حاضر البديهة ، متقد الذكاء بما لا يجارى ،تقابله اول مرة فتشعر انك على لقاء دائم معه وانسجام ازلي ،تودعه وكأنك على موعد قادم ليس ببعيد هكذا هو لطيف المحيا ، مقبل دائما على الحياة وفرحا مقتحما ترحها بابتسامة لا تعرف الهزل بل تلخص الواقع وتمسح على رأس يتيم تخفف من اوجاع الجياع والمشردين والضائعين والمقذوفين على هامش الطرقات وبين الاشجار ، وهكذا هو يجتاز كل تردد وارتعاش في جدلية الخوف والجرأة والتردد والمراوحة والاقدام بين تلكؤ ومبادرة فينتصر دوما للحقيقة والاقدام والثورة والتغيير .

لم نمهله نحن الذين ندب على الارض بتناقضاتنا طويلا كي ينظر ما يشاء وكما يشاء بل اقفل عائدا لا مسافرا بعد ان مارس بلا كلل النظرات الثاقبة وسبر بكل اقتدار غور المجهول وخاطب الى غير مرة كل المظلومين والطغاة .. نعم كان يميزه في تلك الليلة الحاضرة يوم تأخر عن موعد منزلي في لقاء دافئ في الزرقاء لكنه قدم بعد العاشرة مساءً فابتسم كما ظننا حينها أننا اعتدنا على تلك الابتسامة وألقى باللائمة على صديقه القادم معه (معالي الدكتور خالد الكركي) رئيس رابطة الكتاب حينها بأنه سبب تأخره عن الموعد .

ما لبثنا بعد ذلك أن جلس وجلسنا وتحدث وتحدثنا فاذا بحديثه يسعى ليلتهم الدقائق والساعات ، وينقلنا لا بل ينقل الى غرفتنا صورة الموجعة وحقائقه وآلامه ووجدانه،فإذا بنا حينها قد تلاقينا لاول مرة ايضا سليمان خاطر، في حينه كان سليمان خاطر الأسير والضحية ، القتيل والقاتل ، وصيحة بصوت ممدوح  عدوان يجلجل في فضائنا الصغير يتلو علينا فاتحة الحقيقة ويسرد اوجاعها حكايا وأساطير, يمزق حجب الغد وشمسنا القادمة وافقنا االذي لا يغيب.

قبل الانهيارات الدولية الكارثية التي أصابت المعسكر الاشتراكي والتي أخلت بالتوازن الدولي لصالح القطب الامريكي الواحد الذي ما زال يمارس حقده وغطرسته عصف ولا زال يعصف بالعالم وضمنه عالمنا العربي وقطع ولا زال يقطع ما تبقى من اوصال التقارب العربي ، حينها أتى ممدوح عدوان في تلك الليلة فالتقينا بقدومه احلامنا القديمة ،فلقد كنا في ذاك القديم القريب لدينا القدرة ان نمارس حقنا الطبيعي في ان نحلم فكان ممدوح ليس الاديب الكاتب والشاعر فحسب بل الملهم واحد الرموز الذين بمجملهم يشكلون الروافع وادوات الفعل في الحراك السياسي والتقدم الاجتماعي ويجسدون بحضورهم واقلامهم معالم احلامنا ويصوغونها واقعا مقنعا قابلا للتداول والتناول.

أنه الموت الذي يغيبهم عنا كما سيغيبنا عنهم ، لكنه الموت الذي يضع حدا لحلم الفرد ، فان كان كذلك لكنه لن يغيب  وجودا وحضورا حيث يكون ممدوح عدوان الذي أصبح مخزونا في وعاء مكتبتنا وفي وجدان وذاكرة لن تنضب.

ايها الحاضر حتى في رحيلك … سلام عليك مقاتلا لم تلق سلاحك يوما ، ولم تهن ، سلام عليك قابضا على قلمك وقلمنا وكلمتنا نحن الامة.

لك قبلة حرىعلى جبينك يوم ترحل كما كنت دائما رافع الهامة ، يوم تودع صخب الحياة وعبثها وانت الفارس تمضي منتب القامة ، تمضي ونحن على ذكراك نهتدي في دجى الليل وصمته أثر على أثر.. فنم أنت في مرقدك قريرا ، انك اديت الرسالة … وأوفيت الامانة.

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter