Posted in مقالات وطنية

كي لا نبتذل مسألة التطبيع

الرأي 24 / 8 / 1999

في البدء وبكل اجلال نقف خاشعين احتراما لارواح شهدائنا الابرار ولنضالات ابطال الامة العربية ورموزها الاحياء منهم والاموات منذ ايام العرب فالفتوحات الاسلامية وحتى يومنا هذا ، ولا نستثني احدا من ابن مسعود وخالد وجعفر وابن ابي الوقاص وابن الزبير والمختار والاطرش والعظم وجنبلاط والقسام … ولا ننسى مناضلي الكلمة والموقف في العصر الحديث: سميح القاسم ومحمود درويش.

من هذه المقدمة انتقل للتعقيب وبعد ان هدأت عاصفة القضية التي اشغلت الصحف لايام واستحوذت على اهتمام الصالونات الفكرية على الساحة الاردنية . فبعد هزائم القرن العشرين التي ألمت بالامة العربية وخاصة خلال عقده الاخير، الاصل ان نكون قد تعلمنا درسا قاسيا لا يحق لنا ان نتجاهله مهما منينا بنعمة النسيان او اتقنا ممارسة التناسي ، ذلك الدرس يتمثل في اننا امة لا نمتلك المعلومة، كسلاح عصر له ادواته ومفرداته، فاذا اتفقنا على اننا فهمنا ذلك الدرس نقفز فورا الى استنتاج بديهي : هو انه ايضا لا يحق لأي كان من هذه الامة ان يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ، لان حقيقته تلك هي في حدود معلومته الناقصة افتراضا، وبناء على ذلك تبرز ضرورة الدعوة الى اعادة النظر والتنحي عن اطلاق المفردات الحدية التي تقاذفناها افرادا وجماعات رموزا واحزابا طوال هذا القرن وعلى مدى النضال العربي في سبيل التحرر من الاستعمار وتجلياته الموجعة ما بين استعمار تقليدي وحديث واستيطاني… فمجرد اختلاف في الاجتهاد كان يكفي لأن يكون مسوغا لتبادل اتهامات العمالة والتبعية والذيلية…الخ.

في ذات الوقت اعلن بملء الفم انه لا يجوز لأي كان من هذه الامة ان يتطاول على صورة احد من رموز نضالات الامة العربية لان هذه الرموز هي ما تبقى لنا من إرث وطني عظيم نقتات به يجدد الحلم فينا كلما كل النضال وضن القدر ، وفي هذا المقام نقول ان الشاعر المناضل سميح القاسم سيبقى رمزا وطنيا منتصب القامة مرفوع الهامة ، تنتصب به قاماتنا وترتفع به هاماتنا.

واما الاجتهادان اللذان صعدا في الفترة الاخيرة واللذان كنا نلمس فيهما منذ اتفاقية السلام نموا عبيثا غلب عليه طابع الجمود بعيدا عن واقعية الطرح فيتمثلان في :

الاجتهاد الاول : الذي ينطلق من شجبه للظلم الذي عانى منه الشعب العربي الفلسطيني من سكان 1948 ليس من المؤسسة الصهيونية ودولتها العبرية فحسب وانما ايضا من بعض وجهات النظر العربية التي كانت ولا زالت تدين بالغمز او اللمز وضع ذلك الشعب، وهذا الاجتهاد يأتي ليؤكد في كل حين بأن بقاء هذا الشعب على ارضه وحفاظه على ارضه وعرضه هو وسام شرف على صدره رغم حيثيات هذا البقاء التي لا تضيره من انخراط في الحياة اليومية ومؤسسات الدولة العبرية وحمل جواز سفرها ولا احد يستطيع ان يزاود على هذا الشعب الباقي.

واما الاجتهاد الثاني : فيتمثل في نزق تناول اشكالية التطبيع كمصطلح جامد وقد جند اصحاب هذا الاجتهاد كل ما منشانه ان يخاطب بإتقان ذهنية التتاهمية واللجوء الى اسلحة تطال بهذا السياق من قريب او بعيد شرف صمود هؤلاء الاهل على ارضهم .

لقد آن الأوان ان ينطلق حوار ديموقراطي عريض يحدد بهدوء ماهية التطبيع واذا كان هناك اشكال للتطبيع مسموح بها وكيف نستثني فلسطينيي 1948 من كونهم طرفا مقصودا عند طرح مسألة التطبيع ويؤخد بعين الاعتبار امر اتفاقية السلام والظروف الخاصة التي يعيشها عرب 48 وتجليات نمط التفكير والمفردات والمسموحات الخاصة بذالك الشعب المتشبث بأرضه، وان ضرورة تحديد وتوحيد الرأي حول ذلك يتأتى من القناعة بأن الدولة العبرية تدفع في ان تكون مسيرة التطبيع بداية عن طريق المواطنين العرب وبواسطتهم وبذلك تكون المهمة اكثر سهولة مما لو كانت بطريقة اخرى.

ان الحكومة هي الجهة المنظمة الكبرى على الساحة والتي تستطيع ان تتحرك ان شاءت بشكل واع ومنظم ولديها الامكانات اللازمة لحصر الاختراقات والتدقيق عليها واما الشعب الذي لا يملك تلك الامكانات التي تمكنه من القيام بذلك يلجأ الى المقاطعة الكلية ومقاومة التطبيع مع الدولة العبرية ومواطنيها كليا حتى لو طال ذلك اهلنا هناك.

لا نريد ان نقول ان تاريخ ونضال سميح القاسم وخطه وتضحياته يجب ان تشفع له ، فهو لم يرتكب خطيئة تحتاج الى تكفير او شفيع ، لكننا نقول وبالرجوع الى مقولة عدم امتلاكنا للمعلومة ان الشعب وهو الذي لا نشك في مقدرته لو كان يمتلك المعلومة وامكانات امتلاكها لما خشينا على شيء من التطبيع ولكان محصنا ضد أي اختراق الا كما شاء وكما رأى ، ويبقى الحوار مطروحا امام شعبنا العربي في الاردن وفي الاراضي المحتلة 1948 ، ويبقى التوصل الى صيغ عربية مشتركة لمكافحة الاختراقات الصهيونية مهمة نضالية امامنا وامام اهلنا في الاراضي المحتلة ، فأن تواصلنا الى ذلك نكون في غنى عن الحديث عن دفع عجلة التطبيع او مقاومتها.

بهذا الشكل ندرأ خطر التسلل الصهيوني ولا نجعل مسألة التطبيع تنتقل من سند لنا على طاولة المفاوضات الى وسيلة ضاغطة بيد الدولة العبرية للتخلي عما تبقى لنا من حلمنا المشروع .

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter