Posted in العرب الدروز

ابو حسن عارف حلاوي

الرأي 1 / 12 / 2003

غيبت يد المنون قبل ايام في لبنان سماحة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي المرجع الديني الاول ورئيس الهيئة الروحية للطائفة الاسلامية التوحيدية الدرزية ، فلقد وافته المنية عن عمر ناهز المائة واربع سنوات قضاها مؤمنا زاهدا عابدا ورعا ، لم يشغلة عن العبادة شئ من مشاغل الدنيا طوال ايام زهده والتي لم تشكل جزءا من ايام عمره ، بل جميعها والتي يؤكد العارفون به بانه لم يكن الا كما هو في عبادته ومسلكه التوحيدي العرفاني ولم يكن يوما ليتخطى تعاليم الديانة السمحة ، بل كان بشخصه ومعتقدة وقوله يضرب قوة المثل المحصن بالجهاد مع النفس ونصر مؤزر في هذا النزال يجعل منه برهانا في كل حين بأن الاخرة هي الابقى ، وانها خير لك من الاولى ، وان احدكم لا يؤمن حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه ، وليس اخرا ان على النفس المطمئنه ان ترجع الى ربها راضية مرضية.

وفي وداع مهيب ، ودع لبنان في حشد جاوز المائة الف سماحة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي الذي قضى مسلما روحه وجسمه وماله ، والذي امضى حياته راضيا محبا وراغبا في قضاء الله وقدره ، لم يرتبك يوما او يقع في أي شكل من اشكال الحيرة حين يكون الموضوع خيارا ما بين مرضاة الله وبين اي خيار اخر يقع فيه امر شك في معصيته مهما صغر من قريب او بعيد ، فيكون دائما قراره الصريح الواضح الذي لا يقبل أي شكل من اشكال التأويل او التردد ، وذلك بانحيازه العتيد الثابت والدائم للخالق ومرضاته ، فان تكون مؤمنا بالله وحافظا لمرضاته امر عظيم وانتهاجه  ليس سهلا لان الانسان يصبح رقيبا على كل صغيرة وكبيرة ابتداء من أي لحظة تفكير بما يجترح الفكر من هواجس الدنيا ومتاعها وامانات الشك والريبة ، التي تكمن في العديد من خبايا النفس ، وانتهاء الحياة اليومية والمعاملة ونهج الحياة .

ولعل من اكثر الصور اشراقا في حياة الفقيد الكبير هو وقوفه بدينه ومعرفته واخلاصه وعشقه للخالق عز وجل الى جانب القضية الوطنية في وطنه لبنان والى جانب امته العربية والاسلامية مع القضية الفلسطينية ، فلقد كان ببركته وبنفسه هو من بث في صفوف المقاتلين الاشاوس روح العزيمة في حرب التحرير حتى تحقق النصر المشرف على الصهاينة والاسطول السادس الامريكي ، حين ابتلى لبنان بالغزاة الطامعين من صهاينة وامريكيين وهو صاحب الدعوات المتكررة بعدم التعاون مع الدولة العبرية باي شكل من اشكال التعاون بل مقاومة الاحتلال  ومحاربة المحتلين ، ودعوة الى ابناء الدروز وكل الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال لرفض الخدمة في الجيش الاسرائيلي والتمرد على قانون التجنيد الالزامي وعدم التطوع في جيش الاحتلال وعدم التعاون مع الاعداء ، وهو صاحب الفتوى الشهيرة قبل بضع سنوات ، عندما كاد الدخول في جيش جنوب لبنان ان يصبح ظاهرة بدأت تنتشر لدى البعض من فئات الشعب ، فكان ان اصدر شيخنا الجليل تحريما ومقاطعة دينية وشعبية ضد كل من ينتظم في هذا الجيش ، لان ذلك يقع في باب الخيانة والتآمر على الوطن والامة.

ولعلها ايضا رسالة تنطق ولمرة بلغة التوحيد ، حين يحتشد عشرات الالاف لتودع شيخا آمن بالعروبة فشد أزرها ، واخلص للوطن فدعى لكل بواعث المنعة ، وكان للبنان الكبير في ذلك اليوم ، يوم الوداع الحزين ان عانق خير عزاء ان يشهد مناسبة للتأكيد مرة اثر مرة على كل تلاق تتجلى فيه مشاريع عظيمة لمصالحات وطنية تختزل زمنا من الحراك الدبلوماسي .

* تجمع ابناء بني معروف

Share this:
Share this page via Email Share this page via Stumble Upon Share this page via Digg this Share this page via Facebook Share this page via Twitter